اغلب الاشياء التي تحدث في العراق تنطوي على مفارقات كبيرة، لكنها في غالب الأحيان تكون مفارقات باهتة، أعني أنها لا تثير الاستغراب وتفقد عنصر المفاجأة، والسبب، كما هو واضح، كثرتها، فمن الطبيعي أن لا تندهش وأنت تسمع إعلامياً يتحدث عن تلقيه مكافئة "مجزية" من مؤسسة معنية بمكافحة الفساد بسبب "دعمه" لنشاطاتها، أو لا تستغرب وأنت تسمع آخراً يتحدث عن تورط رجل دين معروف، كثيراً ما صدَّع رؤوس الناس وهو يشتم الفاسدين، بجريمة فساد، أو تكتفي بإطراق رأسك وأنت تسمع بأن رئيساً للجنة النزاهة في إحدى مجالس المحافظات متورط بجريمة مخلة بنزاهته، وهكذا..
ولذلك لم اندهش شخصياً، ولم استغرب ولم اطرق برأسي حتى، عندما اطلعت على تقرير المرصد النيابي العراقي، المتخصص بمراقبة أداء البرلمان، ووجدت بأنه يكشف الكثير من التجاوزات التي قام بها مجلس النواب للدستور ولنظامه الداخلي، وكان من أبرزها عدم تقديمه لحساباته الختامية خلال الدورات السابقة، مع أنه المسؤول عن تشريع قانون الموازنة ومطالبة الحكومة بتقديم حساباتها الختامية، وقد فعل مراراً وتكراراً، أقصد أن السادة في مجلس النواب كثيراً ما اتهموا الحكومة بمختلف التهم، بسبب عدم تقديمها حساباتها الختامية، وحسناً فعلوا، لكن يجدر بهم، قبل اتهامهم الحكومة، أن يوجهوا التهم لأنفسهم، فإذا كان التباطؤ بتقديم الحسابات مؤشر قوي على احتمال حدوث فساد في صرف الأموال فهو ينطبق على الحكومة وعلى مجلس النواب بنفس القدر، وعندما يشتم مجلس النواب الحكومة على خطأ يكرر هو ارتكابه لأكثر من دوره، فهذا مؤشر على عدم المهنية وعلى الفساد وعلى انعدام الاحساس بالمسؤولية.. فإذا أضفنا إلى ذلك أن التقرير الصادر عن نفس المرصد يؤشر أيضاً لارتكاب مجلس النواب مخلفات صريحة للقوانين، ومنها مثلاً مخالفته قانون استبدال الأعضاء، الذي ينص على «إقالة العضو لتجاوز غياباته بدون عذر مشروع لأكثر من ثلث جلسات المجلس من مجموع الفصل التشريعي الواحد» وقد خالف البرلمان نص الفقرة ولم يحاسب الأعضاء الذين تنطبق بحقهم المادة القانونية، علما ان التقرير يؤكد عدم حضور بعض الأعضاء سوى جلسة واحدة، ومع ذلك لم يصدر من هيئة الرئاسة قراراً واحداً لإقالة أي منهم، فضلا عن عدم نشر اسمائهم، ولا أسماء بقية الغياب، في إحدى الصحف الرسمية، الأمر الذي يخالف المادة 11 بحسب تقرير نفس المرصد.
المخالفات السابقة تنطوي على مفارقة كبيرة، لكنني متأكد أن احداً منكم أصدقائي لن يندهش وهو يقرأها، لأن عنصر الإدهش مفقود في العراق، فهو بلد كل ما فيه صادم ومدهش وغريب، بلد تستخدم فيه قوى الأمن أجهزة للكشف عن المتفجرات في نفس الوقت الذي تحتجر فيه مسؤولين تعتقدهم متورطين في استيراد هذه الأجهزة.
جميع التعليقات 2
حميد
الزميل سعدون ... سلام من الله عليك ورحمة وبركات ... واشكرك ان غطيت الموضوع من دون تسرب الملل الى اذان القارىء . لكنني هالني هذا العدد الكبير نسبيا من الاخطاء بشتى انواعها الواردة في مقالك الموقر . انا على يقين من انها كبوة لفارس صال وجال في صفحات الاعلا
Ankido
الغاء البطاقة التموينية ما هو الا فلم على شاكلة فلم أبو طبر لالهاء الناس عن فضيحة الفساد التي رافقت صفقة السلاح الروسي والتي اطاحت برأس وزير الدفاع ورئيس الاركان الروسيين. حزب البعث الفاشي وحزب الدعوة وجهان لعملة واحدة الا وهي الفساد.