TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تفكير العامّي باطل

تفكير العامّي باطل

نشر في: 13 نوفمبر, 2012: 08:00 م

جرت محاولات عدَّة لاستنساخ تجربة التنوير. ودائماً ما تفشل هذه المحاولات؛ لأنها تغفل عدم توفر القواعد التأسيسية للتجربة المنقولة، في المجتمع المنقولة له، وتتجاهل الحاجة للبحث فيما لو كانت هذه القواعد قابلة هي الأخرى للاستنساخ أم لا؟
تجربة التنوير التي نَقَلت المجتمعات الغربية إلى عصر الحداثة وما بعدها، وجعلتها قادرة على توفير كامل اشتراطات الدولة المدنية.. استعصت على عمليات نقلها إلى المجتمعات العربية/ الإسلامية، والسبب هو عدم توفر الحد الأدنى من شروط نجاح عمليات النقل هذه.
دائماً أقول إن هناك فرقا جوهريا بين الدين الإسلامي وبقية الأديان، فالديانة المسيحية، مثلاً، لا تقوم على نص مُؤَسِّس يطرح ملامح دستور اجتماعي واقتصادي وسياسي، دستور يحدد ضوابط تحاول أن تُنَظّم ادق تفاصيل سلوك الأفراد ونشاطاتهم الحياتية المختلفة. كما أن الديانة المسيحية لا تطرح الإنجيل باعتباره كلام الله بنفس الصيغة التي يفعلها الإسلام، فالإسلام يطرح القرآن لا باعتباره كلاما منقولا عن الله، بل باعتباره كلام الله نفسه، لكن بصوت محمد، الإسلام يطرح النبي محمد باعتباره واسطة إيصال محايدة للخطاب الإلهي.. والمسيحية -وبقية الأديان- لا تفعل ذلك.
وهذا الفرق جوهري بين الخطابين وبين الكتابين، ومن ثم بين النموذجين، فالنموذج الإسلامي يقدم وجهة نظر الرب في ما يتعلق بالدستور الخاص بكيفية إدارة الأفراد لشؤون حياتهم، ومن هنا يعتقد المسلمون بأن لا حاجة بهم للدساتير البشرية؟
من جهة أخرى، نجد بأن الفكرة الجوهرية التي قامت عليها عملية التنوير في المجتمعات الغربية هي إعادة ثقة الإنسان بعقله، وبقدرة هذا العقل على الحكم على الظواهر دون الحاجة لمن ينوب عنه في الحكم، وهذه الفكرة هي التي جعلت دعاة التنوير بمواجهة هجمات الكنيسة، لأن ثقة الفرد بعقله تحميه من استغلال المؤسسات الدينية التي تحاول احتكار التفكير بالله.
إذن فنحن، إسلامياً، نواجه عقدتين، عقدة إذ الثقة بالعقل التي تواجه مشكلة التقليد، وهي مشكلة تقوم على مبدأ (عمل العامي باطل ما لم يستند على رأي المجتهد)، أما قبول النموذج الغربي، فيواجه إشكالية النموذج الإلهي، فما حاجة الفرد لنموذج في إدارة الشؤون الخاصة والعامة إذا كان هناك نموذج إدارة مرسل من السماء؟
إذن، وقبل التفكير ببناء دولتنا المدنية علينا الإجابة عن هذين السؤالين: الأول: هل يمكن إنتاج مجتمع ينهض باشتراطات الدولة المدنية بالاعتماد على أفراد مُقَلِّدين؟ والثاني: هل يمكن لدولة "الدستور المدني" أن تنسجم مع مجتمع يؤمن بأن قبوله بدستورها هو قبول مرحلي أملته الضرورة وأن الشرعية يجب أن تعود لدستوره الإلهي؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram