كانت قرارات رفع أسعار المشتقات النفطية، التي اتخذتها حكومة تصريف الأعمال الأردنية، القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ ما إن تسرب الخبر حتى غصت الشوارع بالمتظاهرين والمحتجين، الذين لم توفر حناجرهم أحداً، وصولاً إلى الملك، وكأن تلك الجماهير التي لم يمنعها الليل وبرودة الطقس من احتلال الشوارع الرئيسية، كانت تنتظر القرار الحكومي لتنفجر غضباً وحنقاً، وهي ترى أنها مطالبة بتسديد فواتير الفساد، المستشري في جسد الدولة منذ حوالي العشر سنوات، ما أدى إلى ارتفاع المديونية، لتتجاوز حاجز العشرين مليار دولار، مطلوب من الفقراء اليوم تسديدها، بينما يرتع حيتان ذلك الفساد متمتعين بما نهبوه، دون خوف من الملاحقة أو العقاب.
الحكومة التي يرأسها معارض من صلب النظام، تعتبر رفع الأسعار تحصيل حاصل، بسبب امتناع الدول العربية عن مد يد المساعدة، وتخليها عن دعم الخزينة الأردنية، ويرد البعض هذا الامتناع إلى أن هذه الدول ترغب في رؤية مساعداتها تذهب إلى جيوب الفقراء، لا أن يتم نهبها جهاراً نهاراً، في دولة ميزتها الأساسية الفقر، ومع ذلك يتصرف المسؤولون فيها وكأنها دولة نفطية، تمتلك من فائض الأموال ما يغطي احتياجات الأجيال القادمة ولمئات السنين، وتبدو مظاهر البذخ واضحة وجلية عند كل المستويات العليا في الدولة، بما فيها ديوان الملك، الذي يوظف برواتب خيالية أعداداً من أبناء المسؤولين والمقربين، تفوق أعداد العاملين في البيت الأبيض والكرملين مجتمعين، دون القيام بعمل يخدم الدولة ومواطنيها.
المديونية ناجمة عن البذخ والفساد، والملك عند أغلبية المحتجين يحمي الفاسدين، ومنهم زوج عمته المقيم حراً في لندن، مع تهم بالفساد تفوق 100 مليون دولار، ويخصص رواتب خيالية لمئات من أفراد عائلته، دون قيام واحد منهم بأي عمل، ودون أن يحمل أي صفة رسمية، ويقوم الجيش بتأمين حراسات لهم تفوق في أعدادها حراسات أي زعيم في دول العالم، مع أنه لا أحد يفكر باستهدافهم، وكثير على الواحد منهم شرطي يقف عند الباب، وليس همرات مسلحة تقطع الطريق حين يفكر الواحد منهم بالذهاب إلى السينما أو زيارة صديق، والمقربون من القصر لا يخفون ثرواتهم، التي راكموها خلال سنوات قلائل، مع أن معظمهم بدأ من أسفل السلم الوظيفي، ليتحول اليوم إلى واحد من أصحاب الملايين.
يظن البعض أن دول الخليج تباطأت في تقديم خشبة الإنقاذ للنظام الأردني، بسبب موقفه المتردد من دعم الثورة السورية، وهو موقف غير مفهوم ولا مقبول عند تلك الدول، التي ترى أن الأردن يتعامل معها باعتبارها بقرة حلوب، وهي اليوم تستفيق لتطلب ثمناً سياسياً لمساعداتها التي لم تعد مجانية، فيما يحاول الأردن اليوم استدراك ما فاته في هذه المسألة، فيحتضن بعض المعارضين السوريين، دون أن يعلن موقفاً واضحاً وصريحاً ضد نظام الأسد، وفي حين يروج البعض أن هذا هو أقصى ما يمكن للأردن تقديمه، فإن الطرف الآخر يذكر بمواقف الملك حسين تجاه أزمة العراق مع الكويت، حين تبنى علناً مواقف الجماهير، وعمل سراً مع كل القوى الساعية لإسقاط نظام صدام حسين، رغم أن الأخير كان يفتح خزائن المال العراقي، ليغرف منها الأردن ما يفيض عن حاجته.
أين من هنا؟ الاحتجاجات العنيفة التي أحرقت بعض المؤسسات الحكومية في يومها الأول، ويخشى كثيرون تطورها لتطاول شكل الدولة، المتأرجحة بين الفساد والتخبط السياسي، وسياسة ترحيل الأزمات التي نجحت سابقاً، وهي ستفشل حتماً هذه المرة، بسبب فقدان الثقة الشعبية بكل ما يصدر عن الحكومات، التي يتم تغييرها بسرعة، دون أن تنجز شيئاً غير زيادة رواتب المتقاعدين من الوزراء، الذين قد يمكث الواحد منهم في وزارته لشهور، لا يزيد عددها على أصابع اليد الواحدة، والأردن اليوم يشتعل مكتوياً بنار زيادة أسعار المشتقات النفطية، التي تزداد الحاجة لها في فصل الشتاء، خصوصاً وأن رفع الأسعار استهدف احتياجات الفقراء من هذه المواد، وترك أسعار ما يستهلكه المترفون على حالها، والمشكلة أن هناك قراراً وشيكاً برفع أسعار الكهرباء، عندها ستعم العتمة وينفجر الغضب الأكبر.