في تقديمه لـ "البصائر والذخائر"، يصف أبو حيان التوحيدي موسوعته هذه بأنها "عملُ مَنْ طَبَّ لمن حَبَّ". والعبارة مأخوذة من مثل عربي يقول "اصنع صنعة من طب لمن حب"، اي عمل الحاذق لمن يحب.
ويدعو قارئه الى الاستمتاع بكتابه قائلا:
- "جُل بفهمك في رياض عقول القدماء، وانظر الى مآثر هؤلاء الحكماء، واطَّلعْ على نوادر فِطن الأدباء، فما تخلو عند جولانك فيها من جِدٍ أنت سعيد به، وهزْل أنت مُدارىً فيه، ورأيٍ أنت فقير اليه، وأمر لعلك محمود عليه:
فالدَّهر آخرُهُ شِبهٌ بأوَّلهِ ناسٌ كناسٍ وأيامٌ كأيامِ
وإذا حفظت ما مضى، حذرت ما بقي". وكانت للحديث الشريف، كما للكتاب العزيز، حصة غير قليلة من مختارات "البصائر".
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرني ربي بتسع: الإخلاص في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضى، وأن أصِل من قطعني، وأُعطي من حرمني، واعفو عمن ظلمني، وان يكون نطقي ذِكراً، وصمتي فِكْرا، ونظري عِبَراً.
- قال محمد بن الحنفية: ليس بحكيم من لم يُعاشر بالمعروف من لم يجد من معاشرته بدا، حتى يجعلَ الله له من ذلك فرجا ومخرجا.
- قال ثعلب: قولهم ليس له أصل ولا فصل، الأصل الوالد والفصل الوَلَد.
- أبو يزيد البسطامي: لا يزال العبد عارفا ما دام جاهلا، فإذا زال جهله زالت معرفته.
- قال أعرابي: هو أملحُ من المَدارَى (الأمشاط) في شعور العذارى.
- وقال آخر: اليأس من أعوان الصبر.
- سئل صوفي كيف أصبحت فقال: آسفا على أمسي، كارها ليومي، مُتَّهِما لغدي.
- وسئل صوفي آخر لم تركت الدنيا فاجاب: لأنها بَخِلت علي بكثيرها، وصدَّت نفسي عن قليلها، ورأتني أمقُتها فهجرتني.
- سئل معاوية: ما بلغ من عقلك؟ قال: لم أثق بأحد.
- قال فيلسوف: العِشق للأرواح بمنزلة الغذاء للأبدان إنْ تركتَهُ ضرَّك، وإنْ أكثرت منه قتلك.
- يقال: ثلاثة تُضني: سراج لا يُضيء، ورسول بطيء، ومائدة يُنتظَرُ عليها مَن يجيء.
- يقال: لا يوجد العجول محمودا، ولا الغضوب مسرورا، ولا الكريم حسودا، ولا الشَّرِه غنيا، ولا الملول ذا إخوان.
- قيل ان اول من اتخذ المنابر في المساجد عمر بن عبد العزيز رحمه الله وأول من دعي له على المنابر عبد الملك بن مروان.
- سئل سقراط متى أثَّرت فيك الحكمة؟ قال: مذ بدأتُ أُحقِّرُ نفسي.
- قبل عرضه لطرائف تبدو في عصرنا نابية، في حين انها كانت في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) مقبولة، يهيء التوحيدي قراءه لها بالقول: "إياك أن تعاف سماع هذه الأشياء المضروبة بالهَزْل، الجارية على السُّخف، فإنَّك لو أضربت عنها جملةً لنقص فهمُك، وتبلد طبعُك". وأدناه عينتان "محافظتان" قياسا الى غيرهما من "الطرائف الخليعة".
- قيل لمخنث: ويلك تُناك في استك؟! فقال: يا قوم فلي موضع غيره؟
- أدخل رجل علويٌ بيته قحبةً، فلما أرادها قالت: الدراهم. قال: دعي عنك هذا ويحك مع قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: دع هذا، عليك بقحاب قُم، هذا لا ينفقُ على قحاب بغداد.
تراثيات معاصرة
[post-views]
نشر في: 16 نوفمبر, 2012: 08:00 م