TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هُنا البصرة

هُنا البصرة

نشر في: 17 نوفمبر, 2012: 08:00 م

من البصرة يجيئُنا هذه المرة خبرٌ منعش يعزز الأمل بأن خراب أم المدن والعراق بأكمله لم يبلغ بعد درجة التمام والكمال، وان ثمة ضوءاً في نهاية النفق الذي حشرنا فيه حكامنا وجعلونا مثل كرة قدم تتقاذفها الأقدام نحو كل الاتجاهات المؤدية إلى مصالحهم الأنانية، الشخصية والحزبية والطائفية.

على الدوام كانت البصرة، كما أهلها، كريمة، وها هي اليوم تفيض علينا بكرمها المعهود في ساعة عوز وحاجة وشدة. فحكومتنا التي انتخبها الشعب لكي تنقله من ظلمات الدكتاتورية واستبدادها في عهد النظام السابق إلى فضاء الديمقراطية المفتوح على الحرية، تقاتل بالأظافر والأنياب للعودة بنا إلى عهد الاستبداد والاستعباد والجور .. عهد الفرد الطاغية المؤلّه المتجبر المتكبر.. عهد الشعب الخانع الذليل المصادرة حقوقه وحرياته باسم العروبة مرة وباسم الإسلام مرة أخرى ... وباسم الطائفة والمذهب هذه المرة.

البصرة الكريمة تردّ على السعي المحموم لحكومتنا بالتضييق على الحريات التي كفلها الدستور، تارة بإصدار قانون يُطيح حق الصحفي في الوصول الحر إلى المعلومات والبث الحر لهذه المعلومات، وحق الناس في التلقي الحر لهذه المعلومات، وتارة أخرى بالإلحاح والضغط لتشريع قانون لا يبيح للناس الخروج إلى الشارع في تظاهرات إلا برضا الحكومة وقبولها، وقانون آخر يُلغي عملياً حرية الاتصال وتبادل المعلومات عبر وسائط التكنولوجيا الحديثة تحت طائلة السجن المؤبد!

تواجه البصرة الاتجاهات المتوحشة لحكومتنا – ولن أعفي البرلمان من المسؤولية عن هذه الوحشية - بخطوة حضارية لا مثيل لها في منطقتنا، لكنها قائمة في أعرق ديمقراطية في العالم. ففي البصرة سيكون لدينا ركن للخطباء في أحد شوارع المدينة العريقة شبيه بـ"سبيكرز كورنر" (زاوية الخطباء) في حديقة "هايد بارك" اللندنية العريقة هي الأخرى.

حكومة البصرة المحلية أعلنت أمس الأول عن تخصيص أحد الشوارع الرئيسة وجوانبه مكاناً عاماً للتعبير عن الرأي بلا رقابة حكومية خلال أوقات محددة ووفق ضوابط معينة، وقد اختارت للمكان اسماً معبراً هو "ساحة الرأي" وموقعاً مناسباً تماماً بمحاذاة نهر البصرة العظيم، شط العرب.

وبحسب مدير قسم شؤون المواطنين في ديوان محافظة البصرة السيد عباس الناهي فإن "المكان سيكون متاحاً للمواطنين الراغبين بالتعبير عن وجهات نظرهم بلا رقابة حكومية، وخلال كل يوم جمعة اعتباراً من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الساعة العاشرة مساء".

بل ان البصرة سعت لأن تكون أكثر كرماً من هذا بالدعوة التي وجهها مدير قسم العلاقات والإعلام صالح البجاري الى الرسامين والشعراء والموسيقيين لارتياد الساحة "لانتقاد قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية من خلال عرض أعمال فنية أو إلقاء قصائد".

هذه المبادرة البصرية الرائعة ينبغي أن تثير في منظماتنا الثقافية – هل أحتاج لأن أسميها؟ - الشعور بالعيب والخذلان إذ تتغافل عن التجاوزات الحكومية السافرة على الحريات العامة، خوفاً من ضياع الألف دولار أو المليون دينار في السنة... وليس في الشهر!!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram