TOP

جريدة المدى > تحقيقات > "الصدر" مدينة منكوبة بعد يومين من اختيارها الأولى في الخدمات!

"الصدر" مدينة منكوبة بعد يومين من اختيارها الأولى في الخدمات!

نشر في: 19 نوفمبر, 2012: 08:00 م

مطر..مطر...مطر ..عيناك غابتا نخيل ساعة السحر،هكذا ذهب شاعرنا الخالد السياب في وصف عيون من تغزل بها سواء كانت الفتاة التي يبحث عنها او المدينة التي يعشقها،فهل عاد المطر مستهلا محبذا في غزل العراقيين ،ام انه اصبح كابوسا يحيل حياتهم الى مأساة بعد ان عجزت الموازنات الانفجارية للمشاريع الخدمية من انجاز ابسط المشاريع التي من شأنها حماية المواطن من نعمة وليست نقمة سماوية الا وهي المطر،الذي اصبح اعصار سونامي الذي بطش بجميع مناحي الحياة في العاصمة بغداد،احد المواطنين من مدينة الصدر سماه (اعصار جويسم) معتبرا اياه تعاطفا مع ما أصاب الأميركيين من اعصار ساندي،لاننا كما يقول شعبان تربطنا العديد من القواسم المشتركة ،مثل الحروب ولغة الرصاص سابقا ،وحاليا الاعاصير بحسب قول المواطن.
الحقيقة بين التصريحات والواقع
الأمانة العامة لمجلس الوزراء أقامت احتفالية تكريم أفضل الدوائر الخدمية في بغداد بعد مسابقة أعدت لهذا الغرض،وقد فازت ثلاث دوائر وهي الشعلة والصدر والاعظمية،وفي الحفل الذي أقيم في فندق الرشيد وحضرته (المدى برس)،اكد الامين العام لمجلس الوزراء علي العلاق"ان المسابقة تهدف الى التركيز على الوحدات الخدمية وتحفيزها"،مضيفا ان مركز بغداد بحاجة الى جهود كبيرة لإظهار وجه العاصمة،لافتا الى ان أطراف بغداد تحتاج الى جهد استثنائي".
من جهته اشاد امين العاصمة عبد الحسين المرشدي بالعمل الذي تقوم به دوائر الامانة مبينا ان الدوائر الفائزة بالمسابقة هي الافضل من بين باقي الدوائر،وقال المرشدي لـ (المدى برس)ان التقييم جاء من قبل لجنة محايدة ومن غير تدخل،داعيا الدوائر الاخرى لان تكون في المراكز المتقدمة في المسابقات المقبلة،مؤكدا ان بلدية مدينة الصدر قد حلت مشكلة المجاري وكذلك منطقة الشعلة.
المشاريع الشتوية
المدى ولكي تكون وسط الحدث ونقل الصورة بكل أمانة وحيادية بعيدا عن التصريحات الحكومية توجه فريقها المكون مني ومن الزميلين محمود ومحمد باتجاه مدينة الصدر،لكونها احدى الدوائر التي اختيرت كأفضل وحدة خدمية في العاصمة ،خاصة وان شبكة مجاريها قد اكتملت على حسب قول امين العاصمة (للمدى برس)،متحاشين الذهاب الى المناطق الاسوأ خدميا حسب مسابقة الامانة حتى لا نتهم بالتجني وعدم الحيادية.
اتجهنا صوب المدينة عبر شارع السعدون الممتلئ صراخا بركام الاعمار الشتوي الذي تواكب عليه الامانة،ولا ندري ما الحكمة في تنفيذ المشاريع في الشتاء بدلا من فصل الصيف الطويل، المهم كان الشارع الواصل بين ساحة التحرير حتى صاحبتها الطيران،تسبح فيه العجلات اما النفق فقد اغلق تماما بسبب تراكم مياه الامطار.
مستنقع أمام وزارة الداخلية
المنطقة التي تقع امام مقر وزارة الداخلية باتت عبارة عن مستنقع تسير به العجلات ببطء وكأنها بانتظار سيطرة تفتيش،طوابير من العجلات وراء مقاودها آلاف الحسرات والخيبات مما يحصل في حبيبتهم بغداد ومما يحصل بهم،المارة على الارصفة تنافسهم على السير الدراجات النارية التي هجرت الشارع خشية من الامطار والزحامات غير المسبوقة،المظلات المطرية كانت في أوج نشوتها بالعمل بعد عقود من الكسل في خانات الانتظار،الاشارات الضوئية مع انطفاء انوارها خفت صيحات المتسولين الذين غابوا عن اعمالهم تماشيا مع المثل القائل"مكرها أخاك لا بطل"،اما الباعة المتجولون بعضهم آثر عدم الخروج من العمل والبعض لف بضاعته بأكياس النايلون ليعرضها على طوابير العجلات التي ارهقها الزحام ونقاط التفتيش الثابتة والمشتركة، كل ما نراه  مأساة تئن منها العاصمة مع اول نزول ثقيل لنعمة المطر،صور تحتاج الى اكثر من عدسة ،مصورنا الرائع محمود يترجل من السيارة احيانا لالتقاط مشاهد الخراب،واحيانا اخرى من خلال نافذة السيارة ، التقط عشرات بل مئات الصور ولكن المشهد الذي يراه يصرخ فيه"هل من مزيد".
عجلات المسؤولين والحمار الأسود
العديد من سيارات المواطنين  سلمت امرها للميكانيكيين والكهربائيين على جانبي الطريق ساكنة الا من صياح وتذمر اصحابها،في حين مر من قربهم مبتسما بتشفي  صاحب عربة لبيع الغاز يقودها هو وحمار اسود كان فرحا بحمام مجاني تفضل عليه به المطر ،في الوقت الذي كانت مواكب المسؤولين تمر بسرعة من امام الجميع كسرعة قرارات امتيازاتهم،لكونها عالية ورباعية الدفع وحتى المطر يخشى ان يقول لهم (لماذا)؟،وكيف لا وهم اسياد التغيير!.
رجال المرور ارتدوا اغلفة نايلونية ولكنهم وقفوا تحت رحمة الامطار غير آبهين بما يحدث لهم،وحين سألت احدهم ونحن في ذروة الزحمة "لماذا لا تقف تحت المظلة المرورية؟"،رد علي بعصبية بردت لهيبها زخات المطر"موقع المظلة على الجزرة الوسطية،وهي بعيدة عن التقاطع، والسائق عندما لا يرى رجل المرور وسط الشارع لا يحترم النظام ،لذلك اتحمل المطر في سبيل اداء واجبي بصورة صحيحة"،وباعتقادي قال الكلام هذا لقرب واجبه من تقاطع الخلاني المجاور لوزارة الداخلية.
بائع الموز في مدينة الفوز
عبرنا المجسر المجاور لوزارة النفط الممتلئة نهايتاه بالمياه بشق الانفس،وصلنا الى بركة مياه كانت بالأمس تسمى ساحة الحمزة ،السيطرة الواقفة على مدخلها ارتدى جنودها (الكوتات العسكرية)،اما بائع الموز المتواجد هناك غسلته مع عثق الموز امطار الخير وكل همه جلب قوت يومه ولتذهب عافيته الى قير وهذا ما شعرت به من بعد ان رأيت عدم اهتمامه بملبسه والجو المزري المحيط به.
دخلنا مدينة الصدر وهي الفائزة الاولى قبل يومين من ضمن ثلاث دوائر خدمية بانجاز المشاريع،وبالتحديد شبكات المجاري انعطفنا نحو اليمين باتجاه منطقة الداخل الاولى وتحديدا في شارع الصيانة الذي تحول بفضل المطر الى شارع السيانة،والمصيبة توجد فيه بلدية قطاع (صفر) وهو قطاع جديد اوجدته احكام ومبررات الحواسم.
إعصار ساندي عراقي
احد المواطنين وهو يوجه كلامه باتجاهنا وبصوت عال(دجلة في مدينة الصدر)،وله الحق فيما يقول لقد غرق الشارع تماما ودخلت المياه الى بعض البيوت،وبدأت عملية نزح المياه من قبل المواطنين،اطفال المدينة الذين تعودوا المأساة ،صنعوا من مرارة الحدث ألعابا فهم تارة يرمون بأنفسهم بالمياه وأخرى يترامون بالحجارة على ضفتي عفوا جانبي الشارع،كان الوقت يشير الى منتصف النهار من ظهر امس،وهو موعد خروج ودخول الطلبة من والى المدارس،نعم  خرج بعض الطلبة وبواسطة دعم لوجستي سواء بالحمل او بجسور من الطابوق مدت من جانب الشارع الاخر الى الجانب الموصل لباب المدرسة في سبيل خروجهم،نعم هناك خروج للطلبة الذين غرتهم السماء بصحوها صباحا فذهبوا للمدارس،اما الان وقد اصبحت المدينة وكأنها تحت اعصار ساندي عراقي من غير الممكن ان يذهب للمدرسة احد.
ثلاث شافطات أمام 18 "قطّاع"
مدرسة الرفاق الابتدائية الواقعة في قطاع (1)مدينة الصدر محاطة بالمياه من جميع الجوانب فلا دخول او خروج للطلبة اي انه  لا وجود للدوام المدرسي في المدينة،علما ان هذا القطاع من افضل قطاعات المدينة على الاطلاق من ناحية النظافة والخدمات بحسب قول الزميل محمد الذي هو من سكنة المنطقة،فما هو حال الشوارع والأزقة  في القطاعات الاخرى.
ونحن وسط تلك المأساة التي تعيشها الناس وقفت وسط المياه شافطة تابعة لبلدية مدينة الصدر،فاجأنا بالحديث من غير ان نسأله"هل من المعقول ثلاثة شافطات تسد حاجة 18قطاع،طبعا تفيض المدينة واذا استمر المطر يومين والله سوف نغرك"، عامل المجاري الذي رفض ذكر اسمه وهو يعمل في الدائرة منذ العام 1991بعقد ولحد الان لم يحظ بفرصة التعيين يقول ان السبب في ما يحدث ،هو غلق قناة الجيش امام تصريف المياه ،والامر الثاني كما يقول هو التماهل في عدم تشغيل محطة الخنساء لعدم تجهيزها في معدات المعالجة كما يقول.
اثناء حديثه معنا اجتمع حولنا العديد من المواطنين واجتمعت معهم العديد من التعليقات.
(جزمة) لكل مواطن
المواطن كاظم خضير موسى قال والحسرة تملأ ملامحه"مادامت الحكومة تريد الغاء البطاقة التموينية،نتمنى عليها بدل المبلغ النقدي الذي اقترحته ان توزع لكل فرد في مدينة الصدر(جزمة)ولكل زقاق زورقا صغيرا نتنقل به داخل القطاع سواء لإرسال اولادنا للمدارس او للتبضع"،وحين قلت له "استاذي المسألة مؤقتة"،رد علي بعصبية قائلا"هاي يا مسألة ويامؤقتة الصارلها عشر سنوات،رحمه على والديك كافي ...كافي موجزع من عدنه الصبر....وملينه من وعودهم...وما نكول غير بجاه هذا الشهرالمحرم،وبمصيبة الحسين ان يبين حوبة الفقراء بيهم".
تركناهم محاولين الذهاب الى ساحة مظفر وبقية مناطق المدينة فنصحنا الجميع بعدم الذهاب لان المدينة منكوبة وتملأها المياه اين ما ذهبت،حملنا اوراقنا والمدينة ببيوتها بأسواقها بشوارعها بعوائلها بمأساتها بلافتات العزاء تصيح...والصوت ريح بصوت الامام الحسين عليه السلام(الا من ناصر ينصرنا،الامن معين يعيننا)،وانا اعتقد لا وجود لرد على هتافهم من معسكر الخضراء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟
تحقيقات

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟

 المدى/تبارك المجيد كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، والظلام قد بدأ يغطي المكان، تجمعنا نحن المتظاهرين عند الجامع المقابل لمدينة الجملة العصبية، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر، فجأة، بدأت أصوات الرصاص تعلو في الأفق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram