نساء، نساء، ليس من المبالغة أن نقول إنه زمن النساء، نسمع أخبارهن في كل مكان، في الصحافة، في الإحصائيات. إنها الثورة الكبيرة التي ختم فيها القرن العشرون نفسه قبل أن يُسلم نفسه للقرن الحادي والعشرين. تغيير اجتماعي ضخم جرى بسرعة وبراديكالية حولنا، يجعلنا نرفع قبعاتنا للكائنات المتحركات بحماسة وثقة ضد أوضاعهن، يرفضن كل عبودية وتقليل شأن.
ليس من الخطأ القول، علينا الاعتراف بأن الوضع الحالي للنساء لم يملك أية سوابق مثيلة. من أجل الاستشهاد بمثالين أساسيين فقط، لنتذكر أن النساء لم يستطعن الدراسة في الجامعات حتى بدايات القرن الماضي، وأنهن لم يستطعن التصويت حتى سنوات السبعينات في بعض البلدان، حقان غير قابلان للنقاش اليوم، التعليم والانتخاب، كانا ممنوعين عليهن حتى زمن قريب. وأنا أتكلم بالطبع عن النساء الغربيات، لأن بقية نساء العالم ذهبن باتجاهات أخرى.
ولكن النساء الشرقيات والجنوبيات يقفن اليوم أيضاً أمام تحدٍ كبير بكسر البوابة الكبيرة المغلقة في وجوهن، وأنها مسألة وقت وستتهدم البوابة هذه بلا شك. نضال النساء في البلدان الناطقة بالعربية قديم، المخاطر لم تثن العديدات منهن عن مواصلة السعي لتغيير الواقع في بلدان إسلامية متعصبة. لا يتحدث الإعلام الغربي عنهنّ طبعاً، لأنهن لا يضعن القنابل مثل الأصوليين؛ لكنهن بالذات وليس غيرهن، اللواتي سيهزمن المتعصبين، هن البانيات لتقاليد ثقافية ودينية واجتماعية جديدة، هنّ وليس غيرهن بانيات الحضارة القادمة بكل جهد يقمن به مهما بدا صغيراً، فالتاريخ في النهاية هو مجموعة إنجازات فرديّة، لا تصنعه الجموع، إذا ما هدمته!
إنه لمن المذهل رؤية الكيفية التي تتحرك بها النساء للتعريف بقضيتهن وإثارتها في كل زوايا الكرة الأرضية، لكي يقلن لا لاستعبادهن المُتَسَتَر عليه، لكي يثبتن أنهن قادرات على العمل كالرجال. كم هو منظرهن رائع بإعلانهن على الملأ بأنهن لا يرغبن في السكوت، مصممات على تحقيق أنفسهن، بالحصول على حقهن بالتعلم والعمل، لن يمنعهن في ذلك: لا هيئة أمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في السعودية ولا وإرهاب طالبان كما في أفغانستان والباكستان، ولا فتاوى قادمة من عصور حجرية كما في العراق، ولا ذكورية تحتقر النساء وتسجنها في البيت، كما في آسيا وإفريقيا والكاريبي. هكذا نرى: نساء في إفريقيا السوداء يزرعن ويستعدن أراضي غير خصبة من الزمان القديم بسبب الصحراء، هنديات يمارسن تجارة للمصوغات والمجوهرات؛ سعوديات مصرات على العمل كبائعات على الأقل في السوبر ماركات، عراقيات يفتخرن بعملهن نادلات مطاعم ومقاهٍ. أليس العمل هو الطريق للاستقلال؟ ألا تبدأ حرية المرأة عندما "تصبح لها محفظة نقودها الخاصة بها"، كما كتبت الفيلسوفة الفرنسية سيمون دو بوفوار؟
ومع هذا لا أريد القول بالطبع، أن كل الإناث في العالم هن رائعات، فمن يرى أغلبية نائبات برلماننا العراقي، حفيدات قحطان وعدنان "الماجدات"، لا بد من أن يشعر بالإحباط، لأن قضية الاستقلالية والحرية بالنسبة لهن، تتركز في خدمة قادة أحزابهن الذكور، في لبس الأسود، وفي وأد كل محاولة لاستقلالية النساء وتحررها. أليس من المحزن، أن نساء من كل البلدان الناطقة بالعربية يقدن حملة عبر فيسبوك من أجل حريتهن بنزع الحجاب، لا يجدن كلمة تضامن واحدة من نائباتنا "المتحررات"؟ أليس من المخزي أن تقود فتاة شجاعة من خارج البرلمان حملة ضد الذكورية والاعتداء على النساء في العراق، ولا نسمع بصوت نائبة تتضامن معها؟ إنهما مثالان من آلاف الأمثلة. في بقية العالم ترفع النساء الكوابح التي تشلهن، تساعدهن في ذلك زميلات جلسن في بناية البرلمان. في العراق "الديمقراطي" يحدث العكس. كل كابح، أو حاجز ترفعه النساء في العراق، تعيده نائباتنا "الماجدات" إلى مكانه، إن لا يضفن له كوابح جديدة وبالمئات!