TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > كارثة القطار

كارثة القطار

نشر في: 20 نوفمبر, 2012: 08:00 م

تربطني علاقة خاصة بالسكك الحديد، فقد كان الديزل والقطار هما الوسيلة الأساسية للسفر بالنسبة لي خلال مرحلة الطفولة والصبا. وزاد من عمق هذه العلاقة أن اثنين من أشقاء أبي كانا من كبار مهندسي السكك الحديد. وعندما انتقل أبي للعمل في القاهرة أقمنا معهما في منزل واحد، حيث كان يتردد عليهما العديد من مهندسي السكك الحديد وكنت أتعامل معهم كأعمامي تماما، وكثيرا ما سافرت في العربة التي تلحق بالقطار وتخصص لكبار مهندسي السكك الحديد خلال قيامهما بالعمل والتفتيش أو انتقالهم وأسرهم. وهذه العربة أقرب إلى منزل متحرك فيها غرف للنوم وغرفة للطعام وحمامات ومطبخ وعاملون يقومون على خدمة الركاب.

وعندما أتذكر هذه الأيام في خمسينات القرن الماضي وأقارن حال السكك الحديد  في ذلك الحين أحس بغصة وألم. فالتدهور شامل على كل المستويات. فباستثناء القطارات المكيفة فعربات القطارات لا تصلح للآدميين تسودها القذارة وغالبا ما تكون نوافذها محطمة، بما في ذلك عربات الدرجة الأولى، فما بالنا بالدرجة الثانية والثالثة !

ويبدو أن التدهور والإهمال وعدم الإحساس بالمسؤولية لا يقف عند حدود الخدمة التي تقدم للراكب الذي لا يهم القائمين على هذا المرفق الحيوي، بل يمتد إلى كل شيء، خاصة الجرارات التي تقود القطار والقضبان والسميافورات وورش الصيانة والعاملين في السكك الحديد والمزلقانات.

وتكرار حوادث القطارات وسقوط القتلى والجرحى أمر طبيعي في ظل هذا التدهور الشامل. وخلال السنوات العشر الماضية (من 2002 وحتى 2012) وقعت 11 حادثة ،منها 4 حوادث في الأشهر الخمس الأخيرة (من يوليو إلى نوفمبر 2012).

ويلفت النظر أن ست من هذه الحوادث الإحدى عشرة وقعت بسبب فتح المزلقان وعبور سيارات أثناء مرور القطار. وهو أمر متوقع في ظل تخلف نظام المزلقانات والاعتماد علي عامل بسيط غلبان وفقير ومريض ومرهق يتولى فتح المزلقان وغلقه يدويا. والأكثر إثارة أن المسؤولين أعلنوا منذ فترة عن اعتماد خمسة ملايين و667 ألف جنيه استخدمت في تطوير 1725 مزلقانا في المناطق المركزية والصعيد وغرب الدلتا. ونشرت صحيفة المصري اليوم تحقيقا منذ أسابيع كشف وهم هذا التطوير ويؤكد أن غالبية المزلقانات مازالت تعمل بالسلاسل الحديدية ولم تزود بالإشارات الالكترونية كما أعلن المسؤولون، إضافة إلى تعطل «السيمافورات» التي تشير لاقتراب القطار من المرور أمام المزلقان، وتعطل الأبراج في عديد من المناطق.

وبعيدا عن المسؤولية الجنائية عن هذه الأحداث وآخرها جريمة قطار «أسيوط - القاهرة» رقم 165 الذي ذهب ضحيته 49 طفلا ومدرّسة وسائق أتوبيس المدرسة، فالمسؤولية السياسية والإدارية عن هذا الحادث وسابقيه تقع علي المسؤولين في السكك الحديد وعلى الحكومة القائمة. واستقالة وزير النقل- وهي ضرورية- لن تغير من الأمر شيئا إذا استمرت نفس السياسات. فقد سبقه للاستقالة وزير نقل سابق «إبراهيم الدميري» عقب جريمة قطار العياط في فبراير 2002 الذي راح ضحيته 350 مسافرا، ولم يتغير شيء بعدها.

وارتفاع وتيرة الحوادث في الأشهر الخمسة الأخيرة يؤكد أن التدهور في مرفق السكك الحديد بلغ قمته، خاصة في ظل التدهور الحادث في كل مصر في ظل الحكم الإخواني السلفي، وتفكك الدولة وغيابها.

وما لم يعترف القائمون على الحكم بهذه الحقيقة ويتحركوا لإنقاذ الدولة المصرية بالتعاون مع كل القوى، فسيتواصل الانهيار لا في مرفق السكك الحديد فحسب، بل في كل مرافق الدولة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: صيف المالكي

العمود الثامن: براءة نور وتابعه هيثم !!

العمود الثامن: نشيد عالية وأخواتها!!

الذين يتمسحون بأذيال السيستاني

العمود الثامن: ألف حزب وحزب

العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

 علي حسين ينظر المواطن المسكين مثل جنابي الى بلده العراق ، ويشعر بالأسى على بلدٍ كان يراد له أن يلتحق بقطار العصر، فارتدّ بهمّة خطب سياسييه، إلى الوراء، إلى مجرد احزاب سياسية تضحك...
علي حسين

كلاكيت: كيليان مورفي وأشياء صغيرة كهذه

 علاء المفرجي مثل مواطنه دانيال دي لويس، جاء الممثل الايرلندي "كيليان مورفي" الى السينما من بوابة المسرح، ومثل لويس تماما كتب أسمه بحروف ناصعة بين ممثلي السينما الكبار منذ أول دور له، حتى...
علاء المفرجي

الصوم.. في التحليل السيكولوجي

د.قاسم حسين صالح انشغل علماء النفس بدراسة الصوم بيولوجيا وسيكولوجيا وانتهوا بموقفين متضادين: ألأول، يتبناه كتّاب وأطباء نفسانيون عرب،يرون ان الصوم يؤدي الى انخفاض مستوى الجلوكوز في المخ،فينجم عنه اضطراب في عمل الدماغ، واختلال...
د.قاسم حسين صالح

إرباك هائل بسبب دراسة خاطئة

إبراهيم البليهي ليس أسهل من دفع الناس في اتجاه الخطأ خصوصا إذا خوطبوا باسم العلم والبحث العلمي وتم تخويفهم بأن صحتهم في خطر.. ففي عام 1951 نشر الباحث الأمريكي أنسيل كيتس دراسة زعم أنه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram