نشأت عمليات تواصل مستمرة بين كل شيء بفضل ثورة المعلومات الهائلة , فقد نشأت بين الناس وبعضهم البعض , وبين الآلات وبعضها البعض , وأيضا بين الآلات والناس , فهنالك الآن سيارات تتحدث للإنترنيت , ومجلات تتحدث للهواتف اللاسلكية , وغيرها من الأشياء التي أفرزت أنماطا جديدة من الحياة لم تكن مألوفة لدينا من قبل , وأشكالا جديدة للعمل , وأجيالا متنوعة من الخدمات , وأيضا ممارسات وظواهر سياسية وأساليب في الحكم لم تكن موجودة ومألوفة من قبل .
لقد طغى على غالبية الناس الآن الاندهاش والإعجاب بهذه الثورة الكبيرة والهائلة على أمل التأمل في أبعاد هذه الثورة وآثارها بحثا عن وجهها الآخر , ولذلك فإننا نتساءل , أليس لهذه الثورة من ثمن يدفع ؟ أو وجه آخر غير مرئي مسكوت عنه ؟
ولكن هناك فئة معينة من المراقبين والدارسين والمحللين لهذه الثورة الكبيرة لم يندهشوا لكل ما يحدث , وقد تناولوا الأمور من مختلف جوانبها , المعلن عنها وغير المعلن , ومن أبرز ما توصل إليه كل هؤلاء كان على عدة مستويات , فعلى مستوى العلاقة بين المجتمعات الإنسانية والشرائح الاجتماعية المختلفة , فإن التزايد المعلوماتي والمعرفي لم تصاحبه مساواة اجتماعية ومعرفية سواء كان ذلك داخل الدولة الواحدة أو بين الدول , بل كان مصحوبا بفجوة معرفية سواء بين الدول النامية والمتقدمة على مستوى العالم أو بين الشرائح الأكثر تعليما وغنى وتقدما وبين الفئات الأكثر فقرا وجهلا داخل الدولة أو المجتمع الواحد , والبعض يصنف هذا الأمر على أنه نوع من العزل العنصري المعلوماتي , والذي يسيء أخلاقيا وأدبيا وكذلك حضاريا إلى مستهلكي هذه الدولة ويحولهم إلى مجتمعات مهمشة عاجزة وفاقدة للفعل , وعليها أن تظل دوما مجالا قابلا للاستغلال من قبل صانعي هذه الثورات .
أما على مستوى البشر , فيؤخذ على هذه الثورة أنها لم تؤد إلى تحقيق نوعية جيدة من الحياة لأغلب البشر , فهي تسرع من جعل الحياة بشكل يجعل المرء يلهث وراءها من دون معنى .
إن تمدد هذه الثورات وتشعبها في مسارات ومستويات شتى وتعمقها في حياة الناس كان مصحوبا بمستويات غير مسبوقة من ممارسات وأفعال هتك الخصوصية للأفراد , فالإنسان يعاني في ظل ثورة المعلومات من انكشاف معلوماتي , لأن بياناته كاملة وتتداول بصورة دائمة ومتكررة طوال الوقت , وهذا الانكشاف كأن يكون انكشافا اجتماعيا أو صحيا أو أمنيا جعله عرضة لمخاطر لم تكن في حسبانه من قبل , فكل تحركاته مرصودة , أو على الأقل قابلة للرصد , وأفعاله محسوبة , أو على الأقل قابلة للحساب والمراقبة , والأمر في هذه النقطة لم يتوقف عند هتك خصوصية الفرد فقط , بل تعدى ذلك إلى غزو ثقافة المجتمعات وتهديد ذاتيتها وهويتها الشخصية .
إن ثورة المعلومات هذه قد تحمل في أعماقها مخاطر حقيقية على الديمقراطية , كنوع من نمط حياة يسعى العالم إلى نشره بين الشعب الواحد , وبين أسلوب التعامل بين الدول , وأصحاب هذا الرأي يرون أن الثورة المعلوماتية العنيفة هذه أنها صدمت جميع المجالات , وتعمل على تغييرها من الجذور , فهي تعمل على جمع شتات مكونات وقطاعات كثيرة مبعثرة في مركز رئيسي واحد له مراكز فرعية ترتبط جميعها بمنظومة مركزية تتيح للمركز الرئيسي التحكم بقوة في جميع تفاصيل الأفرع الأخرى , وكل هذا يحدث الآن بشكل متسارع على مستوى الشركات والهيئات والوزارات , ويتصاعد ليصيب نظم الحكم نفسها ليجعل جوهرها هو الاستبداد عبر التحكم في المعلومات التفصيلية لكل شيء .
لقد ألحقت هذه الثورة تدميرا كبيرا وغير متوقع بموارد البيئة الطبيعية , ولعل أقلها هو ما تحدثه صناعة الحاسبات من ملوثات بيئية , كما أنه على النقيض من القول بأن الإلكترونيات سوف تقلل من الورق , فإن الطلب على الورق بدأ يزداد .
إن هذه الثورة قامت بجلب مخاطر جديدة وكبيرة جدا على الأمن القومي لكافة الدول والمجتمعات المختلفة , وذلك نتيجة حدوث تقارب بين المعلومات والأمن القومي حتى أصبحا على درجة غير مسبوقة من قبل من الاندماج والتوحد , الأمر الذي جعل من المستحيل على أي مجتمع حماية أمنه القومي بمعناه الشامل , ودون القدرة على امتلاك أدوات أمن معلومات ذات قيمة عالية , ومن هنا ظهرت الحروب عبر شبكات المعلومات , والحروب الإلكترونية , وغيرها من الأخطار التي لم تكن معروفة قبل هذه الثورة .
ومع ثورة المعلومات الكبيرة هذه ظهرت الجريمة الإلكترونية وجرائم المعلومات , وتصاعدت بشكل كبير وخطير , وباتت تمثل هما كبيرا يهدد العالم أجمع , سواء في مجالات السطو على الملكية الفكرية , أو الجرائم المعلوماتية ذات الأبعاد الجنائية من سرقة وسطو ونصب واحتيال وتجسس وخداع وممارسات لا أخلاقية , وأخيراً الإرهاب المتعمد على منجزات هذه الثورة المعلوماتية الكبيرة .