اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > المسؤولون ومواكبهم ..عرقلة للمرور وإرهاب للمواطنين

المسؤولون ومواكبهم ..عرقلة للمرور وإرهاب للمواطنين

نشر في: 21 نوفمبر, 2012: 08:00 م

تمرّ الدول في بدايات تأسيسها بمراحل عدة من المتغيرات وتحتاج إلى عقود في سبيل إثبات هويتها الحقيقية، والعراق كباقي بلدان العالم من بدايات تأسيسه وهو يعيش أطول مرحلة مخاض تمر بها أية دولة في العالم، فمنذ تشكيل الدولة العراقية بعد الاحتلال البريطاني عاش وما زال يعيش رزمة من الأزمات المتوارثة سواء في عهود السلطات الشمولية أم المدعية بالديمقراطية، وأسست عبر وجودها ظواهر من السلبيات التعسفية التي شكلت عبئا كبيرا على المواطن المبتلى، فمع انقلاب شباط الدموي الذي قادته الزمرة البعثية تأسست ميليشيات مسلحة كانت مهمتها قمع الحريات وفرض سلطة الدكتاتور، فمن الحرس القومي وبطشه بالناس وكبته للحريات، حتى الجيش الشعبي وفدائيي صدام وطلائع البعث تؤسس في البلد كل ما يمزق وحدة النسيج العراقي مما هو طارئ وغير مألوف، فمع وصول الدكتاتور للسلطة أصبح ديدن البعث عسكرة المجتمع وترهيبه، فأسست قبل الشروع بالحروب التي لم نجنِ منها ناقة ولا جملا بل فيالق من الحمايات الخاصة بالسلطان المقبور، وبعد التغيير الذي حصل في العراق كان المواطن على موعد آخر مع فيالق أخرى لقادة التغيير الجدد.

فما أن ينتهي حكم مستبد  حتى يحل مكانه طاغ آخر، لا ليستفيد من أسباب سقوط سابقه، ولكن ليتفنن بجور آخر. وفي الأشهر الأولى بعد التغيير في 2003 ظهرت مواكب طغاة تجوب الشوارع بسرعات جنونية في جميع الاتجاهات، ومفارز مدججة بالسلاح تصوب فوهات بنادقها أنى شاءت.
مسلحون يلوحون من نوافذ السيارات بحركات وسلوكيات تنم عن استهزاء وتبجح بالقوة التي وهبها لهم منصب وموكب المسؤول ، يرتدون نظارات سوداء معتمة وملامح قاسية مروعة،  أصوات تطلق من مكبرات تشق الآذان وتثير الرعب ، وكأنهم نسخة متكررة لأزلام النظام السابق ،ولا يمكن لأي مواطن غير أن يستهجن  ويشجب تواجدهم في شوارع بغداد الحبيبة.  
وقد بات من  الطبيعي أن ترى في نقاط التفتيش التوقف الفوري لمواكب الحمايات وإخلاء الشارع لان المسؤول بعجالة من أمره بسبب تأخره في النوم! أو لعدم وصول  طائرته إلى مطار بغداد في الوقت المناسب بعد ان تمتع هو والعائلة بإجازة استجمام في منتجعه الأوربي، وباتت مثل تلك الأمور أعذارا مشروعة عند نقاط التفتيش.
أين حقوق الإنسان؟
ظاهرة الحمايات الشخصية للمسؤولين عكست حالة سلبية عن الوضع الأمني ، وللأسف أن تلك الحمايات انتهجت نفس الأسلوب الذي انتهجته فرق الحمايات الأجنبية كـ"بلاك ووتر" سيئة الصيت وغيرها، في تعاملها مع الشعب العراقي، ولسبب أو من دونه يقوم رجال الحمايات بواسطة ارتالهم بقطع الشوارع من غير رادع أنساني او قانوني، مما يضطر المواطن المبتلى الى ترك الطريق العام والاتجاه بسيارته نحو شارع بديل.  
يقول النائب سليم عبد الله عن لجنة حقوق الإنسان في تصريح لـ(المدى): ان هناك تعليمات وضوابط تحد من تصرفات بعض حمايات المسؤولين ولا يمكن ان تعمم التصرفات السلبية على الجميع ، فهناك بعض المسؤولين لا يقبل ان يتجاوز أفراد حمايته على حقوق الناس او الحد من حرياتهم، والكثير منهم ينتظر شأنه شأن اي مواطن في نقاط التفتيش ويبقى في الشارع بانتظار مرور السيارات حتى يأتي دوره، ولكن هناك البعض منهم  وللأسف يكون هو المحفز لحمايته والموعز لهم من اجل فتح الطريق بأية وسيلة حتى يتخلص من عقدة الذنب ولا يشعر بمعاناة المواطن وكيفية  تحمله وصبره بالوقوف لساعات طويلة تحت نقمة الانتظار.
وأشار عبد الله الى إن حقوق الإنسان في العراق منتهكة وهذا أمر غير وارد، ولذا من الضروري مراقبة تصرفات حمايات مواكب المسؤولين من قبل المسؤول نفسه حتى لا يتعرض للانتقاد لان حمايته يمثلون شخصيته شاء أم أبى.
لا فرق بين مواطن وآخر
بينما أشار الناشط سرمد كامل من منظمة حقوق الإنسان في تصريح لـ(المدى) قائلاً: لوائح حقوق الإنسان العالمية نصت على أن  "خصائص حقوق الإنسان  لا تشترى ولا تكتسب ولا تورث، فهي ببساطة ملك الناس لأنهم بشر وهي متأصلة في كل فرد، وهي واحدة لجميع البشر بغض النظر عن العنصر أو الجنس أو الدين او الرأي السياسي أو اي رأي آخر، وقد ولدنا جميعا أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. فحقوق الإنسان كفلتها جميع القوانين والدساتير العالمية، ولا يمكن انتزاعها فليس من حق احد أن يحرم شخص من حقوقه لأنها  ثابتة وغير قابلة للتجزئة ولا يمكن التصرف بها كي يعيش الجميع بكرامة. ويمكن تصنيف الحقوق إلى ثلاث فئات الحقوق المدنية والسياسية والعسكرية، وتشمل الحق في الحياة والحرية والأمن وعدم التعرض للتعذيب والتحرر من العبودية والمشاركة السياسية وحرية الرأي والتعبير والتفكير والدين وحرية الاشتراك في الجمعيات، هذه الضوابط هي ما نصت عليه القوانين والتي تعتمدها الدول في تعاملها مع مواطنيها لكن في العراق تنتهك الحقوق وتصادر الحريات ويقتل الناس وتحرق البيوت ويطلق النار وتقطع الطرق من قبل أي رجل امن سواء كان شرطياً أو قائدا عسكرياً .
حمايات لأقرباء المسؤول
العراقي يفتقد حقه المدني ويعيش في دولة عسكرية بعيدة عن المدنية، كما يقول الناشط المدني ويسأل هل يعقل أن تكون حماية احد أقرباء مدير عام في وزارة الدفاع  ثلاث سيارات و12 رجلا عسكريا، يجوبون الشوارع بصفارات ويلوحون ببنادقهم على الناس، وقبل عدة أيام - والكلام لكامل - قام احد أفراد حماية القريب الموقر بضرب واجهات سيارات المواطنين بقناني الماء أمام مبنى وزارة الخارجية بسبب سيرها قبل موكب السيد قريب المدير العام الذي كان يجلس في سيارة مصفحة تخويلها صادر عن مجلس النواب، ولا ندري  كيف سمح له باستخدامها، علما أن من يستغل السيارة يبلغ عمره العقد الثاني وهو معروف بتلويحه بالسلاح بنفسه على الناس إذا اعترض احد طريق سيره! واشار كامل في حديثه قائلاً: منظمات المجتمع المدني تواظب  دائما على عقد  دورات وندوات تتخللها حوارات عن أهمية تحديد صلاحيات حمايات المسؤولين، وكلما واجهنا المسؤولين بتلك الحقائق  يعلقون دائما  تصرفات حماياتهم على شماعة الوضع الأمني المتوتر الذي يقلقهم ويجعلهم لا ينتظرون في نقاط التفتيش أسوة بالمواطنين، ودور المنظمات كما يوضح الناشط هو السعي للتقليل والتخفيف من تلك الانتهاكات إن لم يكن القضاء عليها نهائيا ومناشدة الجهات المختصة للحد من تلك الظاهرة.
المسؤولون والقانون
ويروي طلاب جامعة بغداد الواقعة في منطقة الجادرية وتحدث بالإنابة عنهم الطالب مروان العيساوي الذي قال "في الخامس من الشهر الجاري وتحديدا قرب سيطرة جسر الجادرية، وبعد انتهاء الدوام الجامعي، أصبح الطريق مزدحماً جداً وهي حالة تعودنا عليها، جاء موكب احد المسؤولين ولم نعرف من هو؟ ولكنه مسؤول من خلال دوي الصفارات وكثرة العجلات، ونزل رجال يرتدون ملابس مدنية ويحملون أسلحة رشاشة ويصرخون "اطلع" وقام احدهم بالطرق على صندوق سيارة نوع "سايبا" كان من سوء حظه واقفاً أمام سيارة المسؤول وظل الصراخ عليه بالمكبرات "اطلع" حقيقة لم يكن من سائق السيارة الـ"سايبة" الا ان قام بالنزول من سيارته وركلها بقدمه وهو يصرخ "طيري.. طيري" تصرف هذا الشاب جعل الصمت يسيطر على الشارع .
أما في سيطرة "أبو ريشة " فقد حدثت مشاجرة بين رجال السيطرة الأمنية التابعة إلى الجيش العراقي وبين حمايات احد المسؤولين، وحسب ما ذكر الضابط كرار الذي قال : ان المسؤولين وأفواج حمايتهم ، هم أكثر الناس بعدا عن تطبيق القانون، واذا قمنا بتوقيفهم للتأكد من هوياتهم تأتي العقوبة علينا مباشرة من قبل المسؤولين الكبار، ونحن في حيرة من أمرنا هل نطبق القانون أم لا؟ ام القانون يشمل جهة وأخرى لا يشملها، مشيرا إلى انه من حق  المواطن أن يسأل لماذا لا يطبق المسؤولون وحمايتهم القانون، في الوقت الذي نخضع فيه  كمواطنين للمساءلة؟ يجب ان يطبق القانون على الجميع حتى نؤمن بأننا نعيش في دولة القانون كما يقولون.
فيما أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة علي الدباغ في تصريح لـ(المدى) قائلاً: اصدر مجلس الوزراء تعليمات عدة تؤكد عدم إثارة الفوضى من قبل أي مسؤول في الشارع العراقي، وان يلتزم الجميع بالقواعد الانضباطية وان يخضع الجميع للأوامر والتي يجب أن تنفذ من قبل القوات الأمنية المنتشرة بالشوارع والسيطرات .

128 ألف عنصر لحماية المسؤولين
يذكر ان وزارة الداخلية كانت قد اعلنت قبل فترة وجيزة عن وجود 128 ألف عنصر أمني مسجلين في وزارة الداخلية لحماية المسؤولين والشخصيات الرسمية في عموم البلاد. وأكدت الداخلية تنظيم الحمايات الشخصية من خلال تحديد عدد أفراد الحماية لكل مسؤول حسب منصبه ودرجته. أن عديد هذه القوات التي تم ربطها بالوزارة  يبلغ حوالي 128 ألف منتسب موزعين لحماية 12 ألفًا و500 مؤسسة وموقع حكومي في عموم البلاد، يضاف الى  إن الحمايات الشخصية تكلف الدولة اموالا طائلة لكن تعليمات الداخلية تقضي بتخصيص 30 عنصرًا أمنيًا لحماية الوزير و20 لوكيل الوزير، إضافة إلى تحديد ثمانية أفراد لحماية المستشارين وخمسة لكل موظف بدرجة مدير عام، ومثل هذا العدد لعضو مجلس المحافظة.
وحصول عناصر الحماية المذكورين على راتب شهري قدره حوالي (500 دولار شهريا) لكل منتسب على أن يخضع إلى الضوابط المعتمدة في التعيين بوزارة الداخلية من شروط العمر والمؤهلات.

تذمر الناس
يقال أن ضجيج صفارات الإنذار يعطى انطباعا عن رداءة الوضع الأمني بسبب ما يحدثه من قلق وإرباك وإزعاج للمواطن العراقي وبالتالي غضبه.. حيث الشائع أن إطلاق صفارات الإنذار يدلل في أكثر الأحيان على إن هناك جريمة إرهابية قد حدثت و يقتضى الأمر إخلاء الشارع وفسح المجال أمام أفراد القوات المسلحة لأداء واجبهم.
الموظف صباح حسين الذي قال بسخرية :"من سوء حظه ان دائرته تقع في منطقة العلاوي، وان الزخم لا ينتهي في تلك المنطقة، مضيفا  واذا صادف ان يكون مرورك على سيطرة  الزوراء  فلا بد أن تضع في حسبانك ألا تحدد موعداً معيناً للوصول إلى جهة ما أو لمقابلة مسؤول أو صديق أو الوصول إلى مقر عملك لأنك لن تستطيع أن تصل في الموعد المحدد أبدا! أما إذا تصادف وجودك هناك مع وصول موكب مسؤول  فالانتظار سيطول ويطول، بعص المواطنين يضطرون الى ترك سيارات الأجرة ويذرعون الشوارع ويعبرون الجسور مشيا على الأقدام .

تعليقات ساخرة
هناك استياء شعبي يترجمه اغلب المواطنين عبر تعليقاتهم الساخرة أو من خلال الكتابات في مواقع التواصل الاجتماعي ، فهناك تعليقات تقول ان سبب اطلاق صفارات الانذار هو ان حماية المسؤول يريدون تبديل قنينة الغاز لان عائلة المسؤول منذ ليلة أمس من غير طعام! وتعليقات أخرى تقول "ان في السيارة طباخ النائب الذي يعد وليمة لثلاثة من النواب في قائمته وقد ذهب لشي الطاووس في الفرن وهو على عجالة من أمره وهذا حق طبيعي لكل مجاهد ضد النظام السابق.. وغيرها الكثير من التعليقات الاخرى التي جعلت الناس تشعر بل توقن أن رؤية موكب المسؤول يمثل أتعس كوابيسهم!
هذا وقد أشار العديد من النواب إلى وجود شكاوى عديدة وصلت إلى البرلمان بشان تجاوزات عناصر الحمايات وهناك مناقشات جادة لمتابعة هذه الظاهرة.
يذكر أن عضو مجلس النواب عن دولة القانون كمال الساعدي قال  إن هناك جدية في موضوع خفض أعداد الحمايات وفقا للاحتياج الفعلي والمنطقي، مضيفا أن أعداد حمايات النواب لا يتجاوز الثلاثين عنصرا امنيا لكل واحد وهناك من لا يخرج بهذا العدد ويكتفي بمرافقين، والجميع  معرض للرقابة ومتابعة السلوكيات المستهجنة، وقد اتخذت وزارة الداخلية العديد من الضوابط لتحجيم الظاهرة وإلزام سيارات وحمايات المسؤولين بالتفتيش في السيطرات مما أثار حفيظة العديد من النواب والمسؤولين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طقس العراق.. أجواء صحوة وانخفاض في دراجات الحرارة

أسعار صرف الدولار تستقر في بغداد

تنفيذ أوامر قبض بحق موظفين في كهرباء واسط لاختلاسهما مبالغ مالية

إطلاق تطبيق إلكتروني لمتقاعدي العراق

"في 24 ساعة".. حملة كامالا هاريس تجمع 81 مليون دولار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram