استغرب كثيرا أن يجري الحديث، وتحديدا الآن، عن تحالف شيعي - كردي، في أزمة طوزخورماتو الأخيرة، وكأن المشكلة في تسويقها هذا، مشكلة بين المكونين، وليس أزمة سياسية خانقة أطرافها كل الممثلين،هكذا يفترض، للمكونات العراقية..
هل المشكلة الحقيقية هي قوات دجلة أم أنها نتاج الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد؟
الجواب بكل وضوح هي أن تداعيات الحالة الأمنية وذيولها بل والخدمية أيضا هي نتاج بنية العملية السياسية والعلاقات المتوترة بين أطرافها وتجاذباتها، مما تحوّل اي قضية، مهما كانت عادية وبسيطة، إلى أزمة تنذر بانفلات الأوضاع واتساع رقعتها وتعدد مضامينها، فتنشأ عنها خطابات طائفية وعرقية تلقي بظلالها الخطرة على القاعدة الشعبية وعلى المكونات نفسها، فتنطلق خطابات الكرد والعرب والشيعة والسنّة.. ومن المثير أن أبطال هذه الخطابات ومروجيها ممن مقاليد البلاد والعباد بأيديهم!
قيادي شيعي يريد أن يودّع الكرد البلاد فيقول دون أي إحساس بالمسؤولية الوطني "الله وياهم" وكأن العراق ضيعة من ثرواته، فيما تصر بعض القيادات الكردية بالتركيز على قضية التحالف الكردي – الشيعي، كأن البلاد خالية إلا من هذين المكونين!
إننا نبحث حقيقة عن تحالف كل مكونات الشعب العراقي ممثلة بقواها السياسية الفاعلة، وليس بتمثيلها الطائفي والعرقي، لأنه الطريق الوحيد للخروج من الأزمة، وهو مطلب اقل من طموحنا في حياة سياسية ديمقراطية سليمة قائمة على مبدأ المواطنة والكفاءة والنزاهة، حياة قائمة على التمثيل الحقيقي لمصالح الجماهير في مختلف جوانب حياتها، وليس تمثيلا يدغدغ مشاهير هذه الجماهير طائفيا ودينيا وعرقيا أو وفق الفتاوى الدينية.
هذا طموح بعيد المنال الآن، لكن الممكن ضمن الواقع السياسي هو التحالف الأوسع والتوافق على مصالح الجميع دون الإضرار بمصالح أي مكون مهما كان صغيرا "بالمفهوم العددي وليس الديمقراطي"، الممكن في فترة اختلال عوامل الثقة بين المكونات والممثليات من الحاضر والمستقبل، اختلال الثقة هذا الذي دعا ويدعو الجميع إلى التمترس وراء استحقاقات يقولون عنها وطنية لكنها في حقيقتها الجوانية، يقصدون بها الاستحقاقات الطائفية والقومية والعرقية والإثنية.
من الصعب طبعا الخروج من عنق الزجاجة هذا، لكن من الممكن جدا والواقعي، حلحلة هذا الخطاب وتسويقه في فضاء اقل ضيقا وخانقا للسماح لما نسميه بالعملية السياسية للتقدم خطوة الى الأمام، قد تساعد في حلحلة بعض الأزمات، بما فيها المفتعلة، وبالتالي الانطلاق إلى خطاب آخر في المستقبل في فضاء رحب ونقي من أجواء الحياة الديمقراطية الحقيقية.
إن التركيز على تحالفات طائفية وقومية وتسويق خطابها للجمهور باعتبارها المنقذ لن يساعد أحداً، بما في ذلك الدستور باعتراف قيادي شيعي الذي قال "الدستور لم ينجد أحداً" فيما يتمسك الكرد بالدستور باعتباره الطريق للخروج من الأزمة!
عند هذين المفترقين من المفترض أن تتجلى لنا قدرة قادتنا السياسيين في تحمل المسؤولية الوطنية والإحساس بخطورة ما نمر به ومن احتمالات الانفلاتات التي لا يستطيع أحد السيطرة عليها، عند هذين المفترقين تتجلى قدرة الطبقة السياسية الحاكمة على أن تبرهن لنا أنها تستحق قيادة البلاد وليس إيصالها إلى حافات الجحيم!
لماذا تحالف شيعي – كردي؟
[post-views]
نشر في: 21 نوفمبر, 2012: 08:00 م