هناك من يخشى أن يؤدي الانترنت إلى غسل عقول الشعب. من الذي يخطط لغسل عقولنا وعقول أبنائنا يا ترى؟ وهل لدينا عقول اساسا لكي يقوم احدهم بغسلها مثلا؟ اسمحوا لي بهذا السؤال القاسي كي احدثكم عن حوار حول واحدة من صولات حكومتنا التشريعية.
فقد قمت بتلبية دعوة كريمة من الأصدقاء في قناة الرشيد لمناقشة قانون كتبته الحكومة في أطار استعدادها لـ"حروب المستقبل" كما يبدو وجعلت عنوانه "قانون جرائم المعلوماتية" ، وسبق ان كتبت مقالا قبل شهور حول مسودة القانون نفسه جعلت عنوانه "انا محكوم بالمؤبد"، وقد اعدت ترديد ذلك في حلقة الامس لأني قلق مع باقي الاوساط المعنية بشأن مادتين. الاولى تقول ان الحبس المؤبد سيكون مصير من انشأ موقعا الكترونيا يعادي النظام. وتؤكد الثانية ان الحبس المؤبد ايضا سيكون مصير من يستخدم حاسوبه الشخصي للنيل من سمعة البلاد وكرامتها وعزتها. ومخاوفنا هي ربط حكم المؤبد هذا بعبارة فضفاضة ومطاطة وعامة يمكن لأي شرطي يوالي السلطان ان يستخدمها لوضع احمد عبد الحسين او حيدر سعيد في سجن أبدي لأنه نال من سمعة البلاد وكرامتها وعزتها، وهل بقيت لبلادنا سمعة او عزة غير سمعة السلطان وهيبته؟ هل أبقى لدينا الفشل الإداري والسياسي كرامة امام شعوب الارض كي يمكن لأمثالي ان ينالوا منها لا سمح الله؟
لكن هذه ليست مشكلتي الأساسية، ذلك ان احد السادة الذين شاركونا النقاش على الهواء، اهاب بالحكومة ان تسارع لإصدار هذا القانون كي تردع مستخدمي الانترنت وتمنع محاولات أولئك الذين يريدون غسل عقول أبنائنا وتشويه أفكارهم!
ولا شك ان في الانترنت والعالم المجازي جرائم تنتقل اليه من عالم الواقع، لكني لا اعلم ولا ادري كيف يمكن لإنسان القرن الحادي والعشرين ان يتخيل امكانية العثور على كهف يخبئ فيه ابناءه من تأثيرات العالم حولنا، بعد ان اصبح تدفق المعلومات والصور والاصوات اسرع من الصاروخ؟
الامم القوية تقوم بتحصين ابنائها من الافكار "السخيفة والمريضة" عبر توفير مستويات تعليم راقية تصنع اجيالا واثقة من نفسها وعقولا منظمة وعميقة وذوقا ولياقات عالية. اما كتبة مثل هذا القانون وجزء واسع من الجمهور فيتصرفون على طريقة جدنا النياندرتال طيب الذكر، والذي كان يختبئ في الكهف هربا من العاصفة. وهذا ما فعله صدام حسين الى جانب الاشقاء والاخوال والاعمام في السعودية وايران والصين، ظنا منهم ان هناك كهفا يصلح لحماية "عقل الأمة" من تأثيرات الحضارات القوية والصريحة، فأنفقوا مليارات الدولارات لمحاصرة شبكة الانترنت و"التحكم بها" الا ان "عقل الشباب" في تلك البلدان كان "اكبر" من عقل الساسة والكهنة، فابتكر أساليب وحيلا لا تخطر على بال الجن الازرق، وكسر قيود الاحزاب وهيئات المعروف والمنكر ومحاكم التفتيش، وراح يسبح بحرية مطلقة في بحار المعرفة المشاعة والمتدفقة. ويقال اليوم ان ابرز قراصنة الانترنت في المنطقة سعوديون وايرانيون، اذ ان محاولة عصب العيون جعلت شباب جدة وطهران الاقدر على فهم اسرار الانترنت. انسان القرن الحادي والعشرين هو الاكثر جرأة والأقدر على كسر كل حاجز نتخيل انه سيمنع "غسل عقل الأمة".
ان جماعة الشباب في هذه الأمم سئمت من "هذا العقل" الذي وضعنا خارج التاريخ، وشعوبنا تزخر اليوم بممثلين لأجيال يقولون انهم "بلا عقل" ويحاولون تجريب "تهور" من نوع جديد والانخراط مع اقرانهم في مشارق الارض ومغاربها، بحثا عن مشتركات وتفسيرات جديدة وتساؤلات مبهرة وافكار شجاعة. ولن يتمكن كتبة اي قانون من اقناع هذا "الجيل المتهور" بالكف عن تجربة الجديد.
اي عقل امتلكته اجيالنا وعشائرنا وطوائفنا وقومياتنا السابقة واي منجزات لهذا العقل، يقنع شباب القرن الحادي والعشرين بأن عليه ان "يتحصن" كي لا يخربه محرك غوغل او مفاجآت يوتيوب؟ اننا امم غائصة في الوحل والخطأ، نحمل هراواتنا ونقصف بيوتنا ونخرب ارضنا. نقصف اسرائيل فتخرب غزة. نقصف الكويت فتخرب البصرة. نحرق الجبل فيتبدد السهل. نحاصر العقول لحمايتها ثم نستغل ذلك لسرقتها والضحك عليها وتدمير مصائرها. ليتنا نعثر على طريقة لغسل هذا النوع من العقول التي تصرفت فأساءت وجعلتنا نجلد ذواتنا ونتأفف من حماقاتنا بهذه الطريقة والى الابد.
جميع التعليقات 1
د- عامر عبد زيد
لكن اخي الكريم الدستور يعلن ان الديمقراطية القاعدة في تسير النشاط السياسي التي من اهم مقوماتها في النقاط الآتية : 1-الفصل بين السلطات لا يمكن أن يكون الشخص المنتخب جامع لكل الصلاحيات من تجنب هذا فلابد من الفصل بين السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنف