عروبة جميل
بات العنف ضد المرأة يأخذ أشكالا عديدة ،لعل أهمها والشائع بين الناس هو العنف الجسدي ، لكن الأخطر من هذا هو ذلك العنف الذي يحول المرأة لكائن ثانوي لا قيمة له في تحديد خياراته وتوجهاته ويُصادر حقه في التعبير والاختيار.
و شكلت ظاهرة العنف ضد المرأة إشكالية اجتماعية معقدة حتى لا نقول عصية على الحل في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية القائمة. إشكالية تتداخل فيها عوامل مختلفة تؤدي جميعها لأن تكون ظاهرة العنف مترسخة ،ولابد من إيجاد حلول من شأنها أن تكافح وتناهض هذا وتقف بالضد من توجهات البعض بفرض إملاءاتهم عبر الوصاية المطلقة التي يفرضها البعض على المرأة .
والعنف ضد المرأة هو كل ممارسة يقوم بها الرجل تلحق ضرراً بالمرأة سواء أكان هذا الضرر جسدياً أو معنوياً ،ومنها بالتأكيد مصادرة حقها في العمل، التعليم والصحة ، المشاركة في الحياة السياسية وغيرها من الانتهاكات، ولعلنا نطالع عدة تعاريف ولكنها في النهاية تصب جميعا في منحى واحد يتمثل في ما أشرنا إليه وهو اختصار مجموعة كبيرة من التعريفات الواردة في الاتفاقيات الدولية المتخصصة بهذا الشأن .
ومن الضروري هنا أن نشير للأسباب التي تؤدي لممارسة العنف ضد المرأة ،في مقدمتها النظرة للمرأة داخل الأسرة، وهذا الحالة ليست وليدة اليوم بل هي قديمة منذ آلاف السنين ومترسخة في العقلية الأسرية ذات النزعة الذكورية بشدة. وهذا السبب يندرج ضمن الأسباب التربوية للعنف ضد المرأة ، وأيضا هذا ناجم من أن المرأة تعتبر العنصر الأضعف في الأسرة بحكم النظرة التي أشرنا إليها والتي تعاملها معاملة إنسانة من الدرجة الثانية ، وبالتالي عليها تقبل كل ما يقع عليها دون مناقشة أو رفض . وهذا ما يولد تشكيل رؤية تقترب كثيراً من الرؤية الجاهلية القائمة على تمييز الذكر على الأنثى مما يؤدي ذلك إلى تصغير وتضئيل الأنثى ودورها ويقلل من الفرص الممنوحة لها في شتى مناحي الحياة، وفي المقابل تكبير وتحجيم الذكر ودوره حتى وإن كان فاشلاً في الحياة. حيث يعطى الحق دائما إلى المجتمع الذكوري للهيمنة والسلطنة وممارسة العنف على الأنثى منذ الصغر، وتعويد الأنثى على تقبل ذلك وتحمله والرضوخ إليه ،إذ أنها لا تحمل ذنباً سوى أنها ولدت أنثى ويتم التعامل معها على هذا الأساس. ومن الأسباب الأخرى نجد الأسباب الاقتصادية خاصة في العوائل الفقيرة التي تجد تكاليف المعيشة تقف حائلاً دون أن تراعي هذه الأسر حقوق المرأة منذ صغرها وتهمش مطالبها وحقوقها وأهم هذه الحقوق حق التعليم مما يؤدي بكل ضرورة لأن تنشأ المرأة منذ صغرها محرومة من أبسط الحقوق دون أن تشعر بذلك، إذ أن حرمانها من حق التعليم يؤدي إلى جهلها بباقي الحقوق ويمنعها حتى من حرية اختيار الزوج أو رفض الزوج غير المرغوب فيه . وفي هذا الجانب بالذات نجد أن المرأة عندما تسلب حقوقها وتتعرض للاضطهاد فإنها لن تكون قادرة على ممارسة دورها في أسرتها خاصة إذا ما كانت أم ترعى أبناء بينهم إناث ، حيث نجد أن الأم هنا تحاول استنساخ تجربها على بناتها مما يُولد بطريقة أو بأخرى تراكم مفهوم تهميش المرأة ، وهذا ما يجعلنا نقول إن أحد أسباب ممارسة العنف ضد حواء يكمن في تفكير المرأة وفهمها القاصر والمحدود الذي يوحي لها بأن تصرفات الرجل سواء أكان أباً أو أخاً أو زوجاً ضدها إنما هي تصرفات طبيعية تفرضها حالة التمايز بين الجنسين التي وجدت مساحات كبيرة لها في عقلية المرأة. لهذا فإن أحد أهم المعالجات التي تحد من ممارسة العنف ضد المرأة تكمن في توعية المرأة ومنحها الفرص الكافية في التعليم والصحة وإشراكها في القرارات التي تتخذ والتي تخصها، وكذلك إعطائها دورها الحقيقي حتى في الألفية الثالثة التي بدأت فيها المرأة تتبوأ مراكز قيادية في دول عديدة انطلاقا من أن المرأة هي الركن الأساس في المجتمع، ودورها أساسي في بنائه، عبر دور تكاملي لجميع أفراد المجتمع برجاله ونسائه دون امتيازات وحقوق لطرف على حساب الآخر،وعلينا أن نسعى لسن القوانين والتشريعات التي تحمي حقوق المرأة وتمنع ممارسة العنف في المجتمع ضدها وضد غيرها من شرائح المجتمع، فالمؤسسات والمثقفون في العالم العربي في معظمهم يطرحون ضرورة تطبيق مواثيق الأمم المتحدة وتشريعاتها في حماية حقوق المرأة، لإدراكهم بأن حماية المرأة هي حماية للمجتمع بكاملة، لأن المجتمع يبدأ من المرأة لأنها اللبنة الرئيسية في البناء الاجتماعي.