كيف يجري تصنيع رجل، روائياً، بمواصفات نوعية، إلى الحد الذي تخضع له كاتبة الرواية ولا تستطيع الفكاك من سطوته؟
يقول الروائيون إن الشخصيات كثيراً ما تتمرد على صانعها الروائي.
إن سرد لعبة حب، هي لحمة الرواية وسداها، يأخذ الجميع إلى تلك المنطقة الملتبسة من الكتابة والقراءة، أعني بالجميع: المؤلف والشخصيات والقارئ والناقد، جوقة كيانات باحثة عن معنى وجودها في عالم افتراضي لا وجود له.
يتسرب الرجل (البطل) المحبوب من الرواية إلى خارج الرواية بثقة كبيرة.. من الكتاب إلى الشارع.
أعرف روائيين كتبوا بعاطفة خاصة، وعاطفة المرأة – الروائية – أكثر خصوصية، فالروائية عندما تحب بطلها الروائي تكتب بعبقرية العاشقة أكثر مما تكتب بمهنية المؤلفة وخبرتها التقنية، وهذا ليس ضعفاً لأن العمل الأدبي سيأتي مثقلاً بالحياة أكثر منه خاضعاً للهندسة الميكانيكية (ميكانيزم) التي يتطلبها التأليف.
شخصياً، لا أحب كلمة (التأليف) لأنها تنطوي على شيء من التلفيق، رغم أن الشائع عن كتاب الروايات، وغير الروايات، أنهم "مؤلفون".
كنت أفضل أن أكتب رسالة وأبعث بها عبر ما متاح من وسائل اتصال، حديثة أو قديمة، إيميل أو هاتف أو بريد عادي، لكنني لم أجد ما يصلني بك، وإذ يئست قلت لأنشر هذه الرسالة في الصحافة علّها تبلغك، على أن يأسي لم يكن ميئوساً منه، فثمة هاجس ما زال يلازمني في أن أعثر عليك ذات رواية جديدة أو عنوان بريدي أو إيميل، وربما مهرجان ثقافي رغم أنني شاعر غير لائق للمهرجانات.
إنها المرة الأولى، في حياتي التي أمضيت شطرها الأكبر في القراءة والكتابة، أقرر أن أكتب رسالة إلى مؤلف، روائي، روائية.
للروايات، فعلاً، طاقة غير عادية، على رسم، أو إعادة رسم، خرائطنا التي نتخبط فيها، وبمقاييس رسم على غاية الصغر (قياساً بالحيوات الشاسعة للعالم الفسيح) خرائط الأرض والبشر والكلمات.
أكتب لك، بعد أن قرأت رواياتك كلها، وأنا في حال ملتبسة، غائمة ومختلطة. حال الأكثر من معجب والأقل من عاشق، بكل ما فيها من التردد والقلق والخوف والإعجاب والجدارة بموقع خاص جداً، ومصدر هذا كله هو أن المشاهير يعاملون أقرب الناس إليهم كمعجبين.
وضعتني روايتك الأخيرة، مثلاً، أمام سؤال يتكرر، بل صار سائداً، للأسف، هو سؤال "الكتابة النسوية" وهذا شكل من أشكال "الأباراثيد" الثقافي لإبادة أي كتابة خارج نطاق الثقافة الذكورية.
صحيح أن للمرأة الكاتبة حساسية مختلفة إزاء الظواهر والمشكلات والعلاقات الاجتماعية وطريقة في النظر إلى الكون بجمله، لكن العبقرية لم تقتصر، عبر التاريخ، على الذكور، إلا ما يتعلق بالشروط الاجتماعية القاهرة التي تتعرض لها المرأة للاستقالة من عقلها وأسلوب استعماله، وجرأته في التصدي للمحرم والممنوع والخطير.. كانت قراءة الكتب، وحدها، فعلاً جنائياً، في العصور الوسطى الأوربية، وفي عالمنا العربي، يمنع الكثير الآباء، اليوم، بناتهن حتى من إكمال دراستهن المتوسطة.
لم أجد في كتاباتك، لحسن الحظ، أي إشارة أو فكرة أو رمز بشأن العصاب النسوي الذي يتمسك به بعض المثقفات العربيات في خندق "الفيمينست" ليصبحن أكثر عنصرية من أكثر العنصريين الذكور تطرفاً.
الكتابة ليست سوى حالة ارتياب، سواء كانت كتابة رواية أو رسالة.
أكتب لك هذه الرسالة الخاطفة، المخطوفة، التي لا أريد لها أن تقف في الطابور لتحظى بتوقيعك للمعجبين، ولأنني شاعر يضيق بالطوابير فهي لن تصلك وفق الطرق الأصولية (الأصولية!) فالتفتي، وأنت تقفين في شرفتك المغمورة بالضوء، إلى تلك الناحية، لتجديني بانتظارك، بعيداً عن طابور المعجبين المهووسين في جمع تواقيع المشاهير لا غير.
إلـى روائية
[post-views]
نشر في: 26 نوفمبر, 2012: 08:00 م