TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الحسين العراقي

الحسين العراقي

نشر في: 27 نوفمبر, 2012: 08:00 م

مثلما اعتدت منذ طفولتي ان لا أفوت فرصة سماع المقتل الحسيني، ذهبت يوم الأحد الفائت بصحبة صديق للاستماع اليه في احدى الحسينيات اللندنية. كانت هذه هي المرة الاولى التي اسمعه بها بصوت روزخون بحراني. بعد ان انتهى المجلس سألني صاحبي: شو طعم المقتل مختلف؟

ورغم ان كلمة "طعم" لا تقال في وصف الأصوات اذ الأصح هو "وقع"، الا اني وجدتها هنا قيلت في موقعا الصحيح. اجبته انك على حق لاننا اعتدنا ان نسمعه بنكهة عراقية. وهل من فرق؟ الفرق كبير. شلون؟

اعادني سؤاله الى ذلك اليوم الذي تعرفت به على الشاعر عبد الحسين ابو شبع، الذي كنت معجبا بقصيدته "آه يبني شكول عليك آه يبني". سألته يومها كيف استطاع ان يعبر عن إحساس ام فقدت ابنها بتلك الروعة. أجابني، وكأنه متهيئ للرد، ان السبب يعود الى تحويلنا الامام الحسين وسائر صحبه  وزينب والعباس الى عراقيين في قصائدنا.

قلت هذا الرأي لصاحبي فرد علي بأن الحسين هو الحسين عند البحرانيين والإيرانيين والباكستانيين. نعم انك على حق، لكن لا تنسى ان كلا من هؤلاء يرى الحسين بعين بيئته. ان الأفارقة يصورون المسيح  اسود البشرة، بينما الأوربيون يرسمونه ابيض الوجه أشقر الشعر.

وما دمنا نتحدث عن "المقتل"، فان "مقتلا" عراقيا كتبه صاحبه بطريقة النعي، وهو الشاعر الشعبي محمد نصار العراقي، يتخلل دائما القراءة العراقية لـ "مقتل" ابو مخنف. وغياب "النصاريات" عن المقتل الذي سمعناه اليوم من الشيخ البحراني هو الذي جعل صديقي يتذوقه "بطعم" مختلف.

تستحق مجموعة "النصاريات" وقفة نقدية لأنها، برأيي، من اهم ما كتب عن مأساة الحسين شعرا، من ناحيتي المعنى والصور الشعرية:

هذا الماي يجري بطون حيّات

وضوكه كبل اخوي حسين هيهات

صورة شعرية غير تقليدية  لا تصدر الا عن خيال شعري خصب.

وفي البيت التالي، الذي هو وصف للحسين على لسان اخته زينب، يتأثر نصار باسلوب الشاعرة فدعة:

يسور المرمر الماله مصاعيد

يصل الرمل يمنفر العرابيد

يطير السعد يمعذب الصياييد حاطت بيه فوك الرمح وكر

لا أدري ان كانت صدفة ام قدراً محسوباً ذلك الذي قاد صاحب "النصاريات" الى اكتشاف فدعة التي تبكي في نواعيها اخاها، الذي اسمه حسين أيضا. سؤال طرحته ذات مرة على الشيخ حميد المهاجر، فاجابني بانها صدفة.

ويروي لي الشيخ بان الشاعر كان ذات يوم في زيارة لصديق له من بني لام في قضاء علي الغربي. وفي الليل سمع امرأة تنوح بنواعي فدعة على أخ لها قد مات حديثا. انصت لها وصار يقلدها. وبحسب الشيخ المهاجر، ان الشاعر كان قبلها يدعو ربه كل يوم ان يلهمه شعرا يخدم به الامام الحسين ويبدو ان الله قد استجاب دعاءه.

أسمعت صاحبي بيتا آخر من "النصاريات" التي كتبت كلها على قافية واحدة وحرف الروي فيها هو الراء، يقول:

تذعذع يا عذيبي على الشبان بالرسريس لا تنقل التربان

تراهي اتبب من النشاب والزان لو تعصف تهز الزان وتضر

سمعه مني فصاح: الله. وهل فهمته؟ كلا لكني أحسست طعمه عراقيا وهذا يكفيني. صدقتت.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram