TOP

جريدة المدى > عام > صدر عن المدى: الظُرف في بلد عبوس

صدر عن المدى: الظُرف في بلد عبوس

نشر في: 27 نوفمبر, 2012: 08:00 م

الطرافة - الظرافة – الدعابة – المزاح - النكتة – الهزل، مصطلحات تصب جميعها في قالب واحد، ألا وهو الترويح عن النفس بكلمات أو جمل تثير الضحك لدى الراوي والمتلقي في آن واحد، فتنبسط أساريرهما، وتظهر أسنانهما . لذا سميت الأسنان الأمامية بالضواحك ويقال أفتر عن ضواحِكهِ أي أسنانه .

  أثار موضوع الطرافة والنكتة اهتمام الكثير من الباحثين وعلماء الاجتماع ، لما له من أهمية في التعبير عن طبيعة المجتمع الموضوع الدراسة. والكتاب الذي بين يدينا " الظُرف في بلد عبوس " الصادر عن دار المدى واحد من تلك الكتب، التي درست الفكاهة وقدمت العديد من النكت العراقية التي تعبر عن طبيعة المجتمع العراقي، ومؤلفه خالد القشطيني واحد من أبناء الشعب العراقي الذين تميزوا بروح الفكاهة وسرعة البديهة  . عرفناه من خلال مقالاته في جريدة الشرق الأوسط ، تلك المقالات التي تعودنا على قراءتها بشغف، لما تضمنته من أخبار طريفة وممتعة ، وحفظها ولدي الصغير عن ظهر قلب  ليرويها لأصدقائه . وفي هذا الكتاب يجد القارئ البعض من هذه النكات والحكايات الطريفة مستل من التراث العراقي، عاكسة روح الفكاهة الشعبية لدى الإنسان العراقي، والبعض منها مستل من تاريخ العراق السياسي، لتعكس طبيعة الحياة السياسية لتاريخ العراق.

قسّم الكتاب إلى ثلاثين فصلاً، متبعاً التسلسل الزمني في تقسيمه . النصف الأول من (الفصل الثاني – الفصل الخامس عشر) تناول روح الطرافة عند أعلام الأدب والفكر في العصر العباسي حتى العصر الحديث ، بدءاً من الجاحظ، وأبو نؤاس ،والرومي ،وأبن حجاج  حتى جحا وجحا الرومي . وأما النصف الثاني فتضمن الأخبار والنكت الطريفة عن أعلام العراق خلال القرن العشرين والقرن الحالي ، بدءاً من الشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي، والقسام ،وعزيز علي، ونوري السعيد، والوصي على عرش العراق في العهد الملكي، مروراً بعبد السلام عارف وصدام حسين حتى رئيس الجمهورية الحالي السيد جلال الطالباني .

وبعد قراءة الكتاب ليسمح لنا الأستاذ القشطيني بإبداء بعض الملاحظات على الكتاب بدءاً من عنوان الكتاب " الظُرف في بلد عبوس " إذ يمكننا القول بأن هذا العدد الجم من النكات العراقية وأعلامها ، لا يمكننا إطلاق صفة العبوس على العراق والعراقيين. فأعتقد بأن هذا حكم لا نقول بأنه خاطئ أو مصيب ولكنه فيه الكثير من الظلم للعراقيين، فهذا الكتاب بنكته وما حمله من طرافة دليل على حب العراقيين للنكتة وميلهم للضحك .

  ويلاحظ بأن المؤلف أسند روح الفكاهة إلى المصريين والجد والصرامة إلى العراقيين مستنداً الى طباع العراقيين الحاد وعلى أغانيهم الحزينة. فصحيح بأن العراقيين حادي المزاج والطبع ولكن ذلك على ما أعتقد يرجع إلى طبيعة المناخ في العراق، فدرجات الحرارة ترتفع في النهار إلى أكثر من 50 ْم  وتنخفض في الليل إلى 25 ْ م  فهذا التباين الكبير من الطبيعي أن يسبب هذه الحدة في المزاج، بينما في بقية البلدان مثل مصر لا نلاحظ ذلك ويحدث التغيير في درجات الحرارة بالتدريج . وصحيح أن الأغاني العراقية تتميز بالحزن والبكاء كما جاء في" ص     "11 ولكن هذه ليست ميزة مطلقة فهناك الكثير من الأغاني التي تتميز بالفرح وبالمنولوجات الخفيفة وكما أشار إليهم المؤلف في طيات الكتاب مثل عزيز علي ، علي الدبو ، فاضل رشيد مضيفين إليهم أغاني أحلام وهبي ، عفيفة إسكندر ...الخ .

   وصحيح أن المصريين عرفوا بسرعة البديهة والنكتة، ولعل ذلك راجع إلى طبيعة مناخهم وإلى موروثهم ، حيث اعتقد  قدماء المصريين بأن الضحك هو الذي بعث الحياة ،وأن العالم خلق من الضحك ،فوفق معتقدهم القديم  أن الإله الكبير عندما أراد خلق العالم ، أطلق ضحكة مدوية فكانت السموات السبع، ثم أطلق ضحكة ثانية فكان النور... وفي الضحكة السابعة خلق الروح ،وعلى ضوء ذلك أصبحت روح النكتة والطرافة إحدى مميزات الشخصية المصرية . ولكن ذلك لا يجعلهم ينفردون بروح الفكاهة، ولا يعني أيضاً بأن العراقيين يفتقرون إلى روح النكتة عكس المصريين، وأعتقد أن لكل شعب طريقته الخاصة برواية النكتة وأن للعراقيين طريقتهم الخاصة برواية النكتة ،وعلينا أن لا ننسى بأن البابليين هم أول من صاغ كذبة نيسان، وأما ما ذكره الكاتب الساخر محمود السعدني عن عجز العراقيين عن استيعاب النكتة والذي أستشهد به القشطيني في" ص 11 وتكرر في ص "108 أراه لا يجسد الواقع، وأن همس احد الضيوف في أذن السعدني ليس  إلا دليل على روح النكتة ، فهذا الضيف العراقي  أراد أن يخفف من حدة لهجة السعدني فهمس بأذنه وبطرافة " وين هاي ساكنة ؟ او عندك رقم تلفونها ."  فالعراقيون كما عرفوا بالجد والصرامة عرفوا بالدعابة والظرافة لإيمانهم بأن الحياة لا تستقيم إلا باجتماع الجد والهزل ، وعلى رأي ابن الجوزي"  أن النفس تمل من الدؤوب في الجد وترتاح إلى بعض المباح من اللهو ."

   والفكاهة على رأي الجاحظ تفترض الشجاعة والتحدي حيث يقول كما ورد في هذا الكتاب  " ص "16 إذا وردتني النكتة فأرويها ولو أودت بي في النار "وإذا  ما عرف  العراقيين بالعبوس فإن ذلك يكون في الفترة المتأخرة ، ونتيجة الظروف التي مروا بها في عهد صدام حسين ،ونتيجة الحصار الاقتصادي والاحتلال. والسؤال الذي يطرح نفسه هل يستطيع العراقيون أن يروا النكتة في عهد صدام وأمامه كتاب صادر عن رئاسة الجمهورية وعمم على جميع الدوائر والمنظمات، ينص على العقوبة القصوى لأي شخص  يروي نكتة أو أي كلام يمس الرئيس ، وعلى رئيس الوزراء بالسجن المؤبد و ... هكذا تتدرج العقوبات النارية لتكمم الأفواه وتحرقها ،ولكن مع ذلك أستطاع البعض أن يروا النكات خفية ، ومن بين تلك النكات التي تجسد الواقع التي جاءت في الكتاب " ص "190  أنه أراد ان يتعرف الى حقيقة موقف الناس من غزو الكويت . فتنكر بزي عادي ودخل إحدى السينمات أثناء عرض خطابه عن ذلك . وكلما ظهرت صورته على الشاشة ، صفق المشاهدون لها، وانطلقوا يهتفون باسمه ، وبالطبع جلس هو يتابع ما يجري بصمت .  فلكزه الرجل الجالس بجانبه وقال : " عيني صفق معانا، الله يرضى عليك، تريد صدام يذبحنا بسببك ." فهذه النكتة وغيرها من النكات التي يجدها القارئ في الفصل الثامن والعشرين تحت عنوان)  النكات الصدامية  (تعكس روح التحدي والشجاعة، وتقترب من قول الجاحظ المشار إليه، وتعطي صورة حقيقية لطبيعة الحياة السياسية الاستبدادية، وفي الوقت ذاته  دليل على روح الدعابة والنكتة .

  ويلاحظ ايضاً بعض التكرار في رواية النكتة مثل ما جاء في ص 11 وص  108 وما جاء في ص 108 و ص  138وأتمنى من الأستاذ القشطيني عند إعادة طبع الكتاب حذف هذه النكتة التي وردت في ص 108 وص 138 لما تضمنته من إساءة كبيرة للمرأة العراقية وللرجل العراقي ، ولا أعتقد بأن هناك رجلا عراقيا يسب زوجته بهذا الشكل الرزيل وأمام المارة في الشارع إلا إذا كان هذا الرجل  ....

ومما يلاحظ أيضاً بأن المؤلف قد أتبع التسلسل الزمني في ترتيب الفصول ،ولكن في الفصول الأخيرة من الكتاب لا يعتمد هذا النهج.  فالفصل السادس والعشرون  يجب أن يأتي قبل الفصل الأخير، ويلاحظ أن الفصل السابع والعشرون)  نوري السعيد ساخراً (يروي نكتاً عن نوري السعيد ، والفصل الثامن والعشرون يروي لنا (النكات الصدامية) ومن ثم يرجع في الفصل التاسع والعشرين (من ظرفاء الحكم الملكي)  فيروي النكات التي قيلت عن العهد الملكي، واعتقد الأجدر وضع ظرفاء الحكم الملكي بعد الفصل الذي تحدث فيه عن نوري السعيد مباشرة ، ليكون وفق التسلسل الزمني للرواية والحدث.

وأخيراً لا بد لنا من القول بأن الكتاب تضمن الكثير من الأخبار والنكات الطريفة  وعكس الكثير من جوانب الحياة العراقية السياسية والاجتماعية والعلمية والفنية منذ العهد العباسي حتى العصر الحاضر . ويمكننا القول أيضاً بأنه كوكتيل عراقي..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: هاينريش بيبر والمسبحة الوردية

نادي المدى الثقافي يبحث في أشكال القراءة وأدوارها

حركة الشعر الحر وتحديث الأدب السعودي

شخصيات أغنت عصرنا .. المعمار الدنماركي أوتسن

مدخل لدراسة الوعي

مقالات ذات صلة

مدخل لدراسة الوعي
عام

مدخل لدراسة الوعي

لطفية الدليمي تحتل موضوعة أصل الأشياء مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية. الموضوعات التأصيلية الأكثر إشغالاً للتفكير البشري منذ العصر الإغريقي ثلاثة: أصل الكون، أصل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram