TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > خطورة الصمت على ما يجري في السجون

خطورة الصمت على ما يجري في السجون

نشر في: 27 نوفمبر, 2012: 08:00 م

في ظل نظام اعتقدنا انه ديمقراطي، وفي ظل مؤسسات قيل إنها منتخبة، مازال البعض يعتقد بأنه يحمل تراخيص لإذلال الناس وتعذيبهم والحط من آدميتهم.. اليوم نحن أمام عملية ممنهجة لاستعادة ممارسات الطغيان والتسلط.. ففي الأيام الماضية جرت وقائع وأحداث كثيرة أعادت إلى الأذهان ما كان يجري في أقبية المخابرات والأمن أيام نظام القائد الضرورة، وسط صمت حكومي وسياسي متواطئ مع قطعان الوحوش التي تهتك أعراض واجساد المعتقلين والمعتقلات، الأمر الذي دفع  منظمة عالمية مثل هيومان رايتش ان تقول ان البعض يريد اعادة العراق الى الحكم الشمولي من خلال عمليات  تعذيب وحشية ومنظمة.
سيقول البعض ان هذه حالات فردية متناثرة هنا وهناك، ونقول إنها رسائل رعب  ترسلها الجهات الحكومية، لكل من يختلف مع منهجها التسلطي، خصوصا وان أجهزتها الأمنية تمارس الوداعة مع عتاة الإرهابيين وتسهل لهم أن يعيشوا مرفهين، حيث تفتح لهم ابواب السجون متى أرادوا.
بعد 2003 كانت الناس تأمل ان تجد أمامها مسؤولين أقوياء في هدوئهم فقد عانوا طويلاً من عهود سادت فيها قرارات الجور والظلم والتعسف، التي أوقعت جميع العراقيين في مصائب كثيرة، وهزائم كبيرة مازالوا يدفعون ثمنها حتى الآن.
ظلت الناس تنتظر أن ترى أمامها مسؤولا، لا ينحاز لطرف على حساب طرف آخر، مسؤول يتعامل مع الجميع على مسافة واحدة مع الجميع، مسؤول شعاره العدالة أولا، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام عقليات سياسية خربة تتعامل مع المواطن باعتباره عدوا وعميلا يجب اجتثاثه، كانت الناس تريد مسؤولين يعبرون بالبلاد من عصر الفساد والقمع إلى عصر الحريات، فوجدوا أمامهم مسؤولين يريدون إعادة العراق الى زمن القرون الوسطى، وان نبقى جميعا نعيش عصر الشعوب الخانعة التي يحكمها عسكر مستبدون يحتمون بدبابات الجيش.  
في واحدة من اجمل قصصه "العسكري الأسود" يقدم لنا يوسف إدريس صورة غاية في الدقة  لمعنى الألم الإنساني تحت وطأة الجلادين:
“أنت لا تشعر بالضرب حين تكون حرا أن ترده، أنت تشعر به هناك حين يكون عليك فقط أن تتلقاه، ولا حرية لك ولا قدرة لديك على رده.. هنالك تجرب الإحساس الحقيقي بالضرب، بألم الضرب، لا مجرد ألم موضعي للضربة، إنما بألم الإهانة. حين تحس أن كل ضربة توجه إلى جزء من جسدك توجه معها ضربة أخرى إلى كيانك كله، إلى إحساسك وكرامتك، ضربة ألمها مبرح لأنها تصيب نفسك من الداخل. الضرب، ذلك النوع من الضرب، حين يتحول المضروب إلى أنقاض إنسان مذعورة، أنقاض تتألم. وبوعي تحس نفسها وهي تتقوض إلى أسفل. وبإرادتها الخائفة تمنع نفسها من أن ترد، وتحول فيها الضارب إلى أنقاض إنسان من نوع آخر، وكأنه إنسان يتهدم إلى أعلى، يسعده الألم الذي يحدثه في ابن جنسه، ويستمتع بإرادة. وبإرادة أيضاً يقتل الاستجابة البشرية للألم في نفسه فلا يكف إلا ببلوغ ضحيته أبشع درجات التهدم والتقوض، وبلوغه هو أخس مراحل النشوة المجرمة.
يكتب ميشيل فوكو إن مجتمعات القمع تولد في نفس كل فرد من أفرادها ديكتاتورا يكون مهيأ سلفا لأن يمارس القمع على الجميع.
اليوم علينا جميعا ان ندرك ان لا استقرار لوطن يمارس فيه الجلاد وظيفته بقوة القانون، وعلينا أن نقولها مرة ومرتين والى ما لانهاية، ان الجلادين ومن يقوم بحمايتهم يجب الا يفلتوا من قبضة القانون، وعلينا ان ندرك جميعا ان لاعدالة مع مثل هكذا مؤسسات أمنية، ولا استقرار مع قوانين عرجاء، تقفز كلما أرادت الناس ان تحاسب المفسدين والسراق والمزورين والقتلة، وتصمت عندما تنتهك آدمية الانسان، ولا مستقبل لبلاد يقودها مسؤولون يرون الجريمة وينكرونها وكأنها لم تحدث.
ليس هناك قدر محتوم على البشر ان يتحولوا إلى ضحايا لوحوش بشرية، لكن أنظمة القمع والاستبداد هي التي تصر على أن نبقى اسرى نظام استبدادي لا يؤمن بالاخر، نظام يعيش على وهم "عصر القائد الملهم"، عصر السجون المخيفة وزنازين الموت، عصر الهتافات والأناشيد  والإذاعات التي تسبح بحمد القائد، تلك هي صورة العراق التي يريدون لها ان تبقى مرسومة في اذهان الناس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: نظرية "كل من هب ودب"

قناديل: انت ما تفهم سياسة..!!

عن المرجعية الدينية

العمودالثامن: كيف ننجو؟

 علي حسين عام 1965 قرر رئيس وزراء ماليزيا آنذاك، تونكو عبد الرحمن، أن يطرد سنغافورة من الاتحاد الماليزي، في ذلك الوقت سأل أحد الصحفيين رئيس وزراء سنغافورة ماذا سيفعل؟ كانت الجزيرة بلا موارد...
علي حسين

باليت المدى: بين الحقيقة والخيال

 ستار كاووش خرجتُ من متحف لام وأنا مُحَمَّلٌ بفتنة الأعمال الفنية والابتكارات المختلفة التي ملأت صالات العرض. وما أن وضعتُ قدمي خارج الباب الزجاجي للمتحف، حتى إنعكس لون الحديقة الأخضر على وجهي. حديقة...
ستار كاووش

الزوجَة الطِفلَة بين التراجيديَّة والكوميديَّة الفقهيَّة

د. لؤي خزعل جبر مِن علاماتِ شعبويَّة ووهميَّة الجدل بين المُنتقدين والمؤيدين للتقنين الفقهي الشيعي ما يسود بخصوص معقوليَّة زواج المرأة بعمر التاسِعَة، إذ يرى المُنتقدون إنَّ المرأة في التاسعة طِفلَة، ويقبُح تزويجُ الطِفلَة،...
د. لؤي خزعل جبر

أكثر من حرب على صوت المرأة

حازم صاغية حينما يوصف أحدهم بأنّه "مسموع الصوت"، يكون المقصود أنّه مؤثّر أو نافذ. فالصوت أداة قوّة وتمكين، ولأنّه كذلك كان مَن يطالب أو يحتجّ "يرفع صوته"، فحين لا يُلبّى طلبه يرفعه أكثر إلى...
حازم صاغية
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram