الكثير من الإيرانيين ينظرون إلى العرب بدونية، ويتعاملون معهم بتعال مهين، كثير منهم يعتقدون أن هذه الأمة "الصحراوية" لا تستحق التقدير. هذه النظرة يعرفها العربي الذي يحتك بهم، ويشرحها أبي من خلال سرده قصة جدي "ضمد" الذي اضطر إلى الذهاب لإحدى المدن الإيرانية، ما دفعه لتجرع غصة ارتداء زي الأفندية، متنازلاً عن زيه العربي التقليدي، فقط ليتقي استهزاء الإيرانيين بالزي العربي. أخمن أن هذه الحادثة وقعت في نهاية القرن التاسع عشر، وهي تحكي قصة اختلال قديم وتكشف مقدار الضغط الذي تعرض له رجل ريفي جنوبي، إلى درجة اضطرته للتخلي عن زيه التقليدي، الذي نعرف جميعاً، مدى ارتباطه بالشرف والغيرة والعزة وما إلى ذلك.
ما يثيرني بهذه القصة هو موقع النبي محمد من هذه النظرة الدونية، إذ من غير المعقول أن الإيراني الذي يحتقر العربي، يستحضر لحظة الاحتقار الهوية العربية لنبيه المقدس. ما يعني أنه يقوم بعملية "تعمية" على هذه الهوية، بمعنى أن عربية النبي تعاني من تشويش يساعد على تغييبها من الذاكرة اليومية، لدى الإيرانيين، ليتمكنوا من تفريغ شحناتهم العاطفية المتعلقة بثقافة وشخصية العربي، دون المساس بالمقدس. عملية التعمية هذه تقوم بها معظم الثقافات التي تضطر لتقديس شخصية لا تنتمي لعرقها أو لثقافتها. وتتأكد عملية التعمية كلما انتمى المقدس لثقافة عدوة أو غير مريحة. هذا ما يقوم به شيعة العراق بالنسبة لأئمتهم، بالذات لمن ولد في المدينة المنورة منهم، وامضى فيها حياته. فهؤلاء الأئمة سعوديون ولا ينتمون إلى الأرض العراقية إلا بسبب ظروف طارئة تسببت بموتهم عليها. لكن العراقيون لا يستحضرون جنسية أئمتهم لحظة تقديسهم، لوجود عداء طائفي/ تاريخي بينهم وبين السعوديين. الموروث الشيعي يحاول أن يغفل كل ما يتعلق بهذه الهوية من تراثه الديني، وأنا شخصياً لم أنتبه لهوية الأئمة إلا في مراحل متقدمة من عمري، ومع ذلك شكل هذا الانتباه ما يشبه الصدمة، صدمتني حقيقة أن الأئمة الذين أقدسهم سعوديون بالولادة والانتماء. وربما لهذا السبب يندر وجود رمز للنبي محمد في طقوس الشيعة، فهو سعودي في ولادته وحياته ومماته، ولا يمكن إلغاء انتمائه، لكن مع الإمام علي يمكن ذلك، وإذا كان هذا الإمام قد عاش على تلك الأرض عشرات السنين، فقد مات على هذه الأرض منذ أكثر من ألف سنة، وهذا ما سهل من عملية "تعريقه" و"تعريق" الإمام الحسين.
هذه الآلية أيضاً نجد تجليها الأبرز لدى الشعوب المسيحية الغربية، فهي الأخرى تعاني من هذه العقدة، أقصد عقدة احتقار الثقافة أو البيئة التي ولد فيها المقدس، وهي هنا الثقافة العربية/ الشرقية، ولهذا السبب نجد بأن صورة المسيح في الأيقونات الدينية، بملامح غربية. الثقافة الغربية التي تحتقر العرب، تحاول أن تنقذ المسيح من ملامحه العربية، فَتُعيره شعرها الأشقر وعيونها الملونة. ولو كانت هذه الثقافة منصفة، أو بريئة في تعاملها مع موروثها المقدس، لاختارت لصورة هذا النبي ملامح عربية/ فلسطينية. لكن التذكير بفلسطينية يسوع المسيح، يمكن أن يؤدي إلى كارثة ثقافية لدى الحضارة الغربية. كما أن التذكير بـ"سعودية" الأئمة، يشعر الكثير من العراقيين، بالإحباط.
توطين المقدس
[post-views]
نشر في: 27 نوفمبر, 2012: 08:00 م
جميع التعليقات 2
مرتضى السعد
تحياتي اخ سعدون ارى ان احكامك شيئا فشيئا تتجه نحو الجانب الانفعالي بالواقع او قل بجزء من الواقع الذي تراه انت و تتغافل عن جوانب و زوايا كثيره يمكن بل ستكمل لك الصوره بالتاكيد
شاكوش
مقال جميل. لدي ملاحظة، النبي محمد ليس سعوديا، هو حجازي فمصطلح سعودي مصطلح جديد ظهر عقب سيطرة آل سعود على مقاليد الحكم في شبة الجزيرة العربية. ولكن هذا لا يقلل من فكرة المقال، فهو يبقى من منطقة جغرافية تقع داخل ما يطلق عليه المملكة السعودية.