ما كنا لنحتاج أن ينشر أحدهم على شبكة الانترنت صورة لكتاب صادر عن إحدى دوائر وزارة العلوم والتكنولوجيا لنكتشف أن بعض اللحم الذي نستورده من الخارج خطر على الصحة العامة لأنه ملوث، ففي بلدنا القاعدة العامة هي التلوث والاستثناء عدم التلوث.
أغذيتنا الطازجة والمطبوخة ملوثة لأنها تباع مكشوفة، فعلى الأرصفة المفروشة بالكامل بالقمامة تُباع هذه الأطعمة المكسوّة بطبقات من الغبار والذباب في كل مدننا.. تباع هكذا أمام أعين موظفي الوزارات والدوائر والهيئات المعنية أو ذات العلاقة بالصحة العامة: وزارة الصحة، وزارة البيئة، وزارة العلوم والتكنولوجيا، وزارة التجارة، البلديات، وزارة الزراعة، وزارة الصناعة، وزارة التربية، وزارة التعليم العالي، وزارة الثقافة، أمانة بغداد، مجالس المحافظات والأقضية والنواحي.. الخ، ولا أحد يحرك ساكناً.
حتى الأطعمة والمشروبات المغلّفة تتعرض للتلوث، فهي تُنقل وتُخزن في ظروف غير صحية.. المياه والمشروبات المعبأة في عبوات من البلاستيك تُنقل مكشوفة تحت أشعة الشمس وتخزن في مخازن حارة او باردة .. والأغذية المجمدة يذوب ثلجها مرات عدة في اليوم بفعل الانقطاع المتواتر للتيار الكهربائي... وكل ما نستورده من الخارج لا يخضع لأنظمة التقييس العالمية المعروفة فأصبحت بلادنا مكباً لنفايات الدول رديئة التصنيع كإيران والصين، ووراء هذا فتشوا عن الإهمال من جانب الحكومة والبرلمان المشغول مسؤولوهما بصراعاتهم ومناكفاتهم ومنافساتهم وبكسبهم الحرام... ووراء الاهمال الحكومي والبرلماني فتشوا عن الفساد المالي والاداري الذي يخوض في بحره الهائل مسؤولو دولتنا.
على الصفحة السابعة من عدد "المدى" هذا تقرير ينطوي على فضيحة، فقد سعينا لتقصي حقيقة ما جاء في الكتاب الصادر عن دائرة المياه والبيئة في وزارة العلوم والتكنولوجيا بشأن تلوث بعض اللحوم المستوردة من الهند. الكتاب يجيب دائرة الصحة العامة في وزارة الصحة تعليقاً على قرار الهيئة الاستشارية لسلامة الأغذية في وزارة الصحة. وهو (الكتاب) يؤكد ان مركز بحوث الغذاء في وزارة العلوم والتكنولوجيا أجرى منذ سنتين دراسة عن هذه اللحوم "أظهرت تلوثها ببقايا مبيدات الكلور العضوية".
عند استيضاحنا لدى وزارة الصحة عن الأمر كان محط تركيز أحد المسؤولين فيها ما وصفه "عدم اختصاص" وزارة العلوم والتكنولوجيا بأمر تلوث اللحوم لتتحدث عنه! .. أمر غريب للغاية، فهذا المسؤول لا يبالي بما كشفته الدراسة. فلم تتحرك وزارة الصحة او وزارة التجارة او الحكومة برمتها او البرلمان المفترض انه "الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي غير السعيد"، وما يبالي به المسؤول في الصحة هو اختصاص او عدم اختصاص وزارة العلوم والتكنولوجيا في دراسة التلوث في اللحوم الهندية!
اذا كان تلوث اللحوم أو المياه أو سواهما ليس من اختصاص هذه الوزارة، فما اختصاصها إذن؟ .. البحث في صناعة الفرارات والمهافيف مثلاً؟
نريد جواباً من هذا المسؤول الصحي المنشغل بالاختصاصات.
فضيحة اللحم الهندي
[post-views]
نشر في: 27 نوفمبر, 2012: 08:00 م