لينا مظلوم*
صوّرت لذة السلطة للرئيس المصري السابق حسني مبارك أن تعبيره الشهير" أنا عندي دكتوراه في العناد" هو مدعاة للفخر و التباهي بالثقة الزائفة.. بينما واقع التاريخ ينص على فشل أي سلطة قوية تُلقي بنفسها في حُضن اختبار أمام شارع يصرخ بكل لغات التمرد والرفض و الحراك السياسي.. بعدما تم تهميشه و إذعانه عشرات السنين.
هذا واقع الشارع المصري يوم 22 تشرين الثاني, حين باغته محمد مرسي- مندوب جماعة الإخوان المسلمين داخل قصر الرئاسة!- بإعلان دستوري يغتال كل أسس القوانين و الدساتير التي عرفها العالم..و يُنصّب نفسه "إله" جديداً ..و كل من تُسول له نفسه الاعتراض على قراراته أو سياساته ..كافر و عميل..مأواه جهنم و بئس المصير!!.. مرسي نجح بذلك في تفجير حالة الانقسام و الاستقطاب الحاد بين تيارين "مدني-إسلامي"..مع ما صاحبه من أشكال العنف.. و لأن حلول إدارة هذه الأزمة الخطيرة لا تتوافر بين عقول "جماعة"مرسي من مُحدثي السياسة ..فقد اقتصر دفاع كتيبتهم الإعلامية عن إعلان "رجلهم" الاستبدادي بأنه دفاع عن الثورة و سعي إلى خلق حالة استقرار!!
تفاصيل الأزمة المصرية التي تصدرت الاهتمام الإعلامي مؤخرا ,أظهرت على السطح مجموعة ملاحظات مثيرة للتأمل و الدهشة تستدعي التوقف عندها..أولاً, هل غاب عن حسابات مرسي و هو يتمادى في إصراره على عدم التراجع عن تفجير قنبلة إعلانه الدستوري التي تتجه مؤشراتها إلى تصاعد خطير يُهدد كيان الدولة و الدم المصري.. إن العناد و الوقت ليس في صالحه!..ميدان التحرير عاد إلى حالة الحشد و التعبئة و بدت مشاهده للعالم بنفس صور ثورة 25 كانون الثاني ..تهتف مُطالبة بإلغاء الإعلان الدستوري و سقوط مُرشد الجماعة.. و رحيل مرسي عن الرئاسة.. إذاً قدرة التحشيد الهائل التي طالما تباهى بها غرور الجماعة لم تعد هي الوحيدة في الشارع.. و كلما ازداد عناد مرسي ,ارتفع سقف المطالب في ميدان التحرير.. كأن التاريخ القريب جدا يُعيد نفسه وفقا لما حدث مع حسني مبارك حين أدّت أخطاء التوقيت إلى مماطلته في الاستجابة إلى المطالب الأساسية للشارع المصري لإقصائه عن السلطة.
ثانياً ،الموقف الرسمي الأميركي ما زال يلتزم الصمت, باستثناء تصريح "مائع" عن مراقبتها للوضع و ضرورة التهدئة و حل الأزمة سلميا.. لأن السياسة الأميركية أصبحت بعد حرب العراق تمارس دورها البراغماتي "على المكشوف".. دون ستار أو مواراة ..فالمعنى أن مصالح الإدارة الأميركية التي ساهمت في إيصال مرسي إلى الرئاسة ما زالت تغض البصر عن فاشية التيار الديني الذي ينتمي إليه.. ولم تقرر بعد التضحية به.
ثالثا ،حجم تراجع معظم مثقفي و مفكري مصر عن موقفهم الذي أعلنوه مسبقا أثناء الانتخابات الرئاسية من تأييدهم لمرسي مقابل وعود "شفهية" منحها لهم تؤكد التزامه بالديمقراطية والمشاركة السياسية مع كل القوى و الأحزاب , و عدم استئثار فصيل واحد- تحديداً الإخوان- بالقرار السياسي.. طبعا لا يستدعي الأمر خبرة سياسية كي تستشرف أن هذه الوعود تبخرت فور إعلان نتيجة الانتخابات "بما لا يُخالف شريعة أميركا"!...
المؤسف أن معظم "نخبة"مصر بنت اختيارها على أسس المجهول و الخطير.. بدلا من قراءة عاقلة للتاريخ ..التغيير قد يكون سُنّة الحياة.. لكن مصير مصر السياسي- أو أي دولة- ليس لعبة "روليت" يقامرون بها دون مراجعة لتاريخ جماعة الإخوان التي لم تدخل منذ إنشائها عام 1928 أية تحالفات أو شراكات سياسية مع أي حزب رغم أن الساحة السياسية آنذاك كانت تزخر بالأحزاب القوية..و أي ديمقراطية كانت ترتجيها نخبة مصر من فكر قام على عقيدة "السمع والطاعة" للمرشد العام..و أي مواطنة طلبوها من جماعة يُكرر قادتها علنا كلمة "طُز في مصر" ؟.. فالمسلم –أيا كان موطنه- يأتي قبل الجالية المسيحية المصرية كلها .
مرسي حاليا في ورطة لا يملك أمامها سوى الإذعان إلى مطالب الشارع خلافا لتوجيهات جماعته.. بينما يظهر التحام القوى المدنية الليبرالية في كتلة واحدة هو الأمل الوحيد في إنقاذ مصر من النفق المظلم ..حتى و إن جاء تراجع هذه القوى عن مواقفها السابقة متأخراً بعد أن كبّد مصر تكاليف باهظة سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً.
*كاتبة عراقية مقيمة في القاهرة