TOP

جريدة المدى > سينما > الإعلام وإشكاليات المشهد الثقافي العربي

الإعلام وإشكاليات المشهد الثقافي العربي

نشر في: 28 نوفمبر, 2012: 08:00 م

التحولات التي طرأت على المشهد الإعلامي العربي خلال العقدين الأخيرين كثيرة وكثيرة جداً، وهي على كثرتها حافلة بالمتناقضات التي يصعب معها التنبؤ بمستقبل ايجابي للإعلام العربي، بالرغم من الايجابيات التي حققها الخروج الى الفضاء، فان محصلة الصورة النهائية لهذا الخروج تكاد تكون غير واضحة الأهداف، حافلة بالنقاط التي  تحتسب عليها ولا تحتسب لها.
فبالرغم من النمو المتسارع لوسائل الإعلام، ورغم الطفرة الواسعة للفضائيات في السماء العربية، ورغم الإمكانيات المادية والتقنية المتوفرة ورغم سلطة تلك الفضائيات المتنامية على العين العربية، فهناك تعارض بين طموحات وتمنيات الفرد العربي من جهة وبين السياسات والتوجهات الاعلامية المعتمدة لتلك المؤسسات التي تعاني من عدم وضوح في الرؤية والأهداف والأدوار المرسومة، اذ تبدو الإشكالية الكبرى قائمة في طبيعة الدور المفقود لهذه الفضائيات وخصوصاً على المستوى الثقافي.
وقد أدى هذا إلى حصر نشاط تلك الفضائيات في دائرة ضيقة، تقليدية في الغالب، مما حال دون رسم مسارات إعلامية، تعتمد على استراتيجيات ذات أهداف تنموية تأخذ في الاعتبار أساسيات الواقع العربي، وهي الإنسان والأرض والمستقبل.

 الإعلام وغياب المرجعية الثقافية
كانت ولادة الإعلام، منذ قرنين تقريباً، في حضن الثقافة العربية النهضوية، وقد شكلت اللغة العربية الإبداعية الوعاء الحاضن لهذا الإعلام، وأداته التوصلية في حمل وإدارة الخطاب النهضوي السياسي والثقافي والإبداعي، كما شكل الفكر النهضوي مرجعية ذهنية ومسلكية لهذا الإعلام الناشئ، حتى أواخر الستينات من القرن الماضي.
فليس غريباً إذن أن يولد الإعلام من رحم الأدب والفكر العربي في باكورة إنتاجه ولكن الغريب أن يتم الطلاق ما بينهما في لحظة تأريخية حرجة وفي ظروف سياسية بالغة التعقيد، إذ بات من المسلّم به أن يغيّرا ما بدأ يدفع بالإعلام الى الاستقلال والسلوك في مسار يبتعد عن خميرة الثقافة الإبداعية، فاقداً بذلك ظلال مرجعية أساسية لطالما شكلت معالم يستهدى بها على طريق المسيرة الإعلامية العربية طيلة عقود النشأة، إن الموقف الحالي للإعلام من الحياة الإبداعية موقف ملتبس غير واضح يوحي بوجود جفوة ثقافية ما بين الطرفين تبتعد بالإبداع عن طريق الإعلام وتدفع بالإعلام الى التخلي عن رصد حالات الإبداع لأسباب عديدة غير مبررة وغير مقبولة، وتأتي البرامج الثقافية (على ندرتها) لتؤكد هذا التوجه، فهي في مجملها استنسابية استعراضية فاقدة للمنهجية والتخطيط، عاجزة عن الإحاطة المنطقية بواقع الإبداع الفكري والفني وتيسير حضوره على الساحة الإعلامية ومنحه المساحة الإعلامية المناسبة لتحقيق هذا الحضور.
وقد تأكد هذا التوجه مع ظهور وانتشار التلفزيون في خمسينات وستينات القرن الماضي، ما لبث الأمر ان أصبح ظاهرة بارزة للعيان، مع الخروج الى الفضاء عبر سلسلة من المحطات الرسمية والخاصة المشفرة والمجانية، وأدى هذا التوجه الى إغراق تلك الفضائيات بالأنماط والبرامج المحلية والمستوردة، في أداء تقليدي غير إبداعي، وحولها الى أداة تظهير لهشاشة المشهد العربي، ومرآة عاكسة لهذا الواقع بكل تناقضاته الاجتماعية والسياسية والثقافية.
لقد أسهم التشرذم السياسي العربي في خلق واقع إعلامي متنافر، فاقد للتوازن وللمرجعية الهادفة، وتبدو هذه الصورة في أقصى سلبيتها لدى متابعة برامج الحوارات السياسية التي تعكس حالة الخواء المسيطر عبر (حروب داحس والغبراء الإعلامية) وعبر الصورة السالبة للواقع السياسي العربي المثقل بالهموم والمشاكل المزمنة والتي تنقلها الفضائيات الإخبارية بأعصاب باردة وفولكلورية بائسة أحيانا.
لقد أدى غياب الرابط ما بين الإعلامي والثقافي، أي ما بين الوسيط والمبدع إلى خلق فجوة إبداعية، أسهم الإعلام ذاته في إنتاج حيثياتها، مما حدا بالمثقف والمبدع للانسحاب من دائرة الاعلام الى مسارات خلفية ودفعه الى سلوك طريق (التقّية) حتى لا يتحول الى مثقف السلطان، بغية حماية إبداعه من (لوثة السلطان) الذي تجلى بذلك الطغيان المهيمن للسلطة الرابعة على مختلف أنماط ووسائل التعبير والاتصال، وقد أسهم في ولادة هذا المناخ التحالف القائم بين السلطة السياسية والسلطة الإعلامية، هكذا أصبح الإعلامي العربي ضحية لمنهجية في التفكير والممارسة انتقلت من إطار الممارسة السياسية الى إطار الممارسة الإعلامية، وبات الإبداع كالحرّية ضحية السلطتين.

 الإعلام والنظام السياسي العربي
هذا النظام العربي سرعان ما مارس سياسة وضع اليد على الإعلام وفي وقت مبكر من تاريخه، عبر مصادرة قرار هذا الإعلام على المستوى الاستراتيجي من جهة وعبر فخ التمويل الهادف الى الاحتواء والاقصاء من جهة أخرى، وبات من المسلّم به أن الإعلام العربي قد تحول في ما بعد الى شريك داعم للسلطة في توصيف وادارة الحدث السياسي على الساحة العربية، وما لبث ان تحول الى اداة لترويج سياسة هذه السلطة وتبرير اساليبها ومن ثم التماهي معها وذلك في ملف نادر امتد على مدى النصف الثاني للقرن الماضي، مما أسهم في لجم الطاقات الإبداعية للأمة وحال دون تشكل الوعي التاريخي، وقد جاء التلفزيون في ما بعد ليتنكب لهذا الدور الرسمي في الإعلام ومؤسساً بذلك لسياسة الخضوع الإعلامي التام للنظام الرسمي رغم الظواهر السياسية التي أنتجها هذا النظام منذ منتصف القرن الماضي.
إن القوى الثقافية والاقتصادية النامية في العالم العربي، رغم صعودها الملحوظ خلال العقود الماضية، لم تصل بعد إلى الحد الذي يؤهلها لأن تكون طرفاً فاعلاً في تعزيز الدور الايجابي لقوى المجتمع المدني.
لذلك لا تزال عاجزة عن تحرير الإعلام من سلطة الدولة، أو تأسيس إعلام مواز حر يمتلك إستراتيجية واضحة في الرؤية والقرار والقدرة على استشراف المستقبل، وهذا ما أوردته الدولة التي صدرت عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والتي أوصت بضرورة الحد من سيطرة الحكومة على وسائل الاتصال، وأكدته كذلك عدة دراسات لاحقة، ثم عادت الى التذكير به الدراسة التي صدرت عن منظمة الألكسو عام 1998 في مشروعها حول إنشاء قناة فضائية ثقافية عربية.
وتؤكد مجمل الدراسات الصادرة بهذا الشأن ضرورة تنشيط الطليعة الثقافية العربية ودفعها للقيام بمهمة تحرير الذهن وهذا يستدعي وجود طليعة عربية مثقفة راشدة مستقلة فاعلة متحررة من أي وصاية، قادرة على تحسس النبض الحي في ثقافتنا المعاصرة والتعبير عنه بأساليب إبداعية فاعلة، وقادرة ايضاً على امتلاك مشروع نهضوي حقيقي قادر على تجاوز العثرات التاريخية، إن إحدى مهام هذه الطليعة تكمن في فضح ذلك التحالف بين السياسي والإعلامي على حساب المصلحة الحقيقية للأمة في إطلاق عجلة التقدم، إن الإعلام الموجه يتعاطى مع أمورنا الثقافية بمنتهى الجدية والريبة والحذر، وعلى الطليعة الثقافية العربية أن تنظر إلى الأمر بمنتهى الجدية أيضاً لحماية المستقبل.
عن مجلة الاذاعات العربية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

قتل مفرزة إرهابية بضربة جوية بين حدود صلاح الدين وكركوك

الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي

الطيران العراقي يقصف أهدافا لداعش قرب داقوق في كركوك

"إسرائيل" تستعد لإطلاق سراح عناصر من حزب الله مقابل تحرير مختطفة في العراق

حالة جوية ممطرة في طريقها إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram