كرّس المنتدى العربي للبيئة والتنمية أعمال مؤتمره السنوي لهذا العام لموضوع البصمة البيئية التي تبين أنها ثقيلة للغاية في الدول العربية جميعا تقريبا، فيما كان ترتيب العراق بين الدول الأثقل على هذا الصعيد.
وتعني البصمة البيئية حجم الطلب البشري على موارد الطبيعة وخدماتها، وتقاس على أساس المقارنة بين حجم الطلب هذا وقدرة النظم الايكولوجية المتاحة على تلبية هذا الطلب.
مشاركة فعّالة من وزراء وخبراء 48 دولة
وأظهرت بيانات الأطلس البيئي الذي أعده المنتدى وقدمه إلى المؤتمر الذي انعقد في بيروت خلال اليومين الماضيين وشارك فيه وزراء وخبراء من 48 دولة، أن البصمة البيئية للفرد في المنطقة العربية ازدادت خلال الخمسين سنة الماضية بنسبة 78 في المئة، في حين انخفضت القدرة البيولوجية للفرد بنسبة 60 في المئة.
مع أن ما يقرب من 500 مسؤول حكومي وخبير قد شاركوا في المؤتمر فقد غابت الدولة العراقية عنه بالرغم من تدهور الوضع البيئي في البلاد على نحو خطر.
ويرد التقرير سبّب الانهيار البيئي إلى عاملين أساسيّين: "ارتفاع عدد السكان 35 مرة مما أدى إلى ارتفاع عام في الاستهلاك، والارتفاع الحاد في كمية الموارد التي يستهلكها الفرد بسبب ارتفاع معدلات الدخل وتبدل أنماط الحياة". ويوضح "انخفض معدل القدرة البيولوجية المتوافرة للفرد في البلدان العربية 60% خلال 50 عاما، من 22 إلى 9 هكتارات عالمية. ويمكن إرجاع هذا الانخفاض الحاد أساساً إلى التزايد الكبير في السكان وتدهور القدرة الإنتاجية للأنظمة الإيكولوجية في المنطقة، بسبب التلوث وتدمير الموائل الطبيعية والإدارة غير الملائمة للموارد". ويتم سدّ العجز الكبير في الموارد بشكل أساسي "عبر الاستيراد واستنزاف الموارد المحدودة المتوافرة محلياً".
استنفاذ الموارد الطبيعية
وحذر التقرير من أن "هذه الإستراتيجية غير قابلة للاستمرار لأن الاستغلال المفرط يؤدي على المدى الطويل إلى استنفاد مخزون الموارد الطبيعية وتدهور بيئي لا يمكن تصحيحه".
ودارت في المؤتمر نقاشات معمقة جادة حول الوضع البيئي في البلاد العربية وتأييد ما ذكره تقرير المنتدى الذي قدمه الأمين العام للمنتدى نجيب صعب من أن أساس البقاء الاقتصادي في العالم العربي يكمن في تنمية عقلانية ومستدامة للموارد الطبيعية في المنطقة وفي تعاون اقتصادي إقليمي قوي، والدعوة إلى دمج الحسابات الإيكولوجية في الخطط الاقتصادية والى إعادة نظر جذرية في مستوى نمو الناتج المحلي الإجمالي اللازم لبلوغ مستوى كاف من التقدم والرفاه الحقيقيين.
دعوة للحكومات العربية
دعا المؤتمر الدول العربية إلى ترويج مفهوم الحسابات الإيكولوجية في التخطيط الاقتصادي وتشجيع صانعي القرار الحكوميين على الأخذ في الاعتبار استهلاك الموارد المتجددة الوطنية وتوافرها وديموغرافيات السكان عند تخصيص تدفقات مالية للتنمية والتجارة والاستثمار.
بالإضافة إلى تخفيض البصمة البيئية وتعزيز القدرة البيولوجية من خلال تنفيذ مشاريع طويلة الأجل لتأهيل وتجديد الأراضي المتدهورة وطبقات المياه الجوفية المستنزَفَة ومصائد الأسماك المتناقصة. ويجب ألا يتعدى استهلاك الموارد المتجددة معدل تجددها. ويجب ألا يزيد توليد الملوثات والنفايات على معدل قدرة المحيط الحيوي على استيعابها وإعادة تدويرها.
تحسين كفاءة تحويل الموارد
وشدد على تطوير استراتيجيات وطنية لتحسين كفاءة تحويل الموارد إلى منتجات نهائية، وفي نفس الوقت تقليل توليد النفايات، مع إعطاء أولوية لزيادة إنتاجية الطاقة والأراضي الزراعية وموارد المياه الى أقصى حد بالإضافة الى استثمار جزء هام من الدخل الحالي من الموارد النفطية المحدودة في المنطقة في بناء قدرة بشرية من خلال التعليم، وقاعدة علمية وتكنولوجية في أنحاء المنطقة، وبنية تحتية قوية للأبحاث والتنمية، تركز على الحاجات المحلية ومجالات التنمية الخضراء.
وطالب المؤتمر الدول العربية باستبدال أنماط الحضرنة الحالية بنماذج قائمة على مبادئ أكثر صداقة للبيئة وأكثر تناغماً مع الدورات المناخية والمائية في المنطقة. وعلى المخططين في البلدان العربية الالتزام بتحقيق مستويات أعلى من التنمية الريفية والحضرية المستدامة، بالإضافة الى إعادة النظر بشكل جذري في هيكليات التنمية الاقتصادية الحالية للتحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة الخضراء وإعطاء أولوية أعلى للأهداف الاجتماعية والبيئية بالإضافة الى الالتزام بتخفيض الفقر في البلدان العربية المنخفضة الدخل من دون التسبب ببصمة بيئية عالية وإطلاق حملات توعية مستمرة للمساعدة في فهم مفهوم البصمة البيئية، والحث على تغييرات سلوكية في أنماط الاستهلاك.
من خلال تبني استراتيجيات لتحسين كفاءة الطاقة في قطاعات البناء والنقل والصناعة، وزيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة، ونشر تكنولوجيات الطاقة المتجددة في المناطق الريفية والنائية، وتحسين إدارة نوعية الهواء من خلال التخطيط الحضري واستخدام الأراضي على نحو أكثر استدامة، فضلاً عن تنفيذ آليات تمويل خلاقة مثل القروض الصغيرة والدعم المالي المحدد الأهداف من أجل تمكين فقراء الأرياف من الحصول الى خدمات طاقة معقولة الكلفة وموثوقة ومتجددة ومأمونة، فضلاً عن زيادة مصادر الطاقة المتجددة من خلال دعم تطوير التكنولوجيات والمهارات البشرية المرتبطة بها في تحديد مصادر معدات الطاقة المتجددة وتسويقها وتركيبها وتشغيلها وصيانتها وخدمتها.
تذليل الحواجز السوقية
أشار المؤتمر إلى تطبيق مزيج من المبادرات لتذليل الحواجز السوقية السعرية وغير السعرية القائمة أمام كفاءة الطاقة من خلال اعتماد حوافز وبرامج بطاقات بيانية ومعايير وضمان اعتبار المياه وإنتاج الطاقة على علاقة متبادلة، بالارتباط مع خطط لتخفيف آثار تغير المناخ والتكيف معها من أجل إيجاد انسجام بين سياسات المياه والطاقة والزراعة والمناخ بالإضافة الى دعوة الحكومات العربية إلى تنفيذ إطار استراتيجي لممارسات زراعية موصلة إلى استخدام كفوء ومستدام لموجودات الأراضي والمياه ضمن قدرتها على توفير بضائع وخدمات إيكولوجية وفق المعايير الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وذلك بـ:
توازن بين القدرة الزراعية والبصمة البيئية
تحقيق توازن بين القدرة البيولوجية الزراعية والبصمة البيئية والحفاظ عليه. ويجب ترويج ودعم الطرق الزراعية الإيكولوجية الجديدة، الواقية للتربة والأراضي والمياه، مثل الزراعة العضوية والحمائية، لتخفيف العوامل الخارجية البيئية الزراعية وأثر تغير المناخ وتحسين كفاءة الري من خلال تأهيل نظم نقل المياه، وتطبيقات داخل المزارع باستخدام تقنيات الري الحديثة وطرق التوفير في المياه وبتعزيز موارد المياه التقليدية من خلال تطوير موارد غير تقليدية مع زيادة إنتاجية المحاصيل التي ترويها مياه الأمطار من خلال تكثيف الاستثمار في البحث والتطوير الزراعي للتوصل الى الخليط الأمثل من المنتجات وتطوير أنواع بذور عالية الإنتاج ومحاصيل مقاومة للملوحة وقادرة على تحمل الجفاف وتعبئة الموارد لتمويل الاستثمارات الزراعية القائمة على دراسات الجدوى الجيدة الإعداد، التي لا تأخذ في الاعتبار الجوانب المتعلقة بالإنتاج فقط، بل أيضاً مرافق سلاسل القيمة المضافة مثل النقل والتخزين والتوزيع بالإضافة الى إقامة علاقات تجارية مستدامة مع بلدان إقليمية وغير إقليمية، تدعمها استثمارات منسقة وسياسات متناغمة، بغية تسهيل الاتجار بالسلع الغذائية والمياه الافتراضية بناء على فوائد منصفة ومشتركة.
الغاز مصدر مستدام للطاقة النظيفة
وكانت المشاركة العراقية الوحيدة في المؤتمر المداخلة التي قدمها في الجلسة الأولى مجيد جعفر، الرئيس التنفيذي لشركة نفط الهلال (مقرها في دولة الإمارات) الذي ركز الأنظار على مستقبل الغاز "كمصدر لا ينضب للطاقة النظيفة ليمثل فرصة حقيقية لترشيد ميزانيات الطاقة، والحد من الانبعاثات الكربونية وتقليص نفقات الوقود".
وأشار جعفر إلى أن تسارع عملية التنمية الاقتصادية والنمو السكاني يؤدي إلى زيادة الاستهلاك العالمي من الطاقة، لاسيما في البلدان النامية، حيث يعيش خمس سكان العالم من دون كهرباء، وقال "لو قمنا بإدخال أولئك القابعين في أسفل الهرم إلى منظومة الطاقة العالمية الحديثة، فعندها من الضروري العمل على معالجة الفقر وتعزيز الاستقرار العالمي".
تحديات صناعة النفط
ولفت جعفر إلى أن صناعة النفط اليوم "تواجه تحديات، مع حاجة العالم كل عامين إلى كميات جديدة من النفط تعادل الاستطاعة الإنتاجية للمملكة العربية السعودية لتلبية معدلات الاستهلاك الحالية، مما سيؤدي إلى عجز صناعة النفط عن تلبية الاحتياجات العالمية. ويبدو الوضع مختلفا تماما بالنسبة للغاز، فموارد الغاز الطبيعي في العالم قادرة على إمداد العالم من الغاز لمدة تزيد عن 250 عاما وفقا لمعدلات الاستهلاك الحالية".
وقال جعفر: "يُعتبر الغاز مصدرا للطاقة النظيفة والفعالة من حيث التكلفة. وللمفارقة، فقد أخفقت دول الاتحاد الأوروبي في تحقيق أهدافها في الحد من انبعاثات الكربون، وهي أكثر مناطق العالم تركيزا على الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وباتت تلجأ وبشكل متزايد إلى استبدال الفحم الحجري بالغاز، في المقابل فإن الولايات المتحدة ، وهي الأقل اهتماما في الحد من الانبعاثات، فقد نجحت في تحقيق أعلى نسبة خفض في انبعاثات الكربون منذ ما يزيد على 20 عاما، وحققت أعلى المعدلات عالميا وذلك بالاستعانة بالغاز بدلا من الفحم الحجري كوقود في محطات توليد الكهرباء. ويعود الفضل الأكبر في ذلك إلى النجاح في إمداد الغاز بأسعار زهيدة بفعل ثورة الغاز الحجري التي تشهدها البلاد.
ولاحظ ان منطقة الشرق الأوسط "تعاني من عدم الكفاءة في استخدام الطاقة رغم كونها المركز الرئيسي لإنتاج النفط والغاز عالميا، وذلك نتيجة لدعم الطاقة ونظام الأسعار التي لا تقدم مؤشرات أسعار لضمان كفاءة استهلاك الطاقة وكفاية إنتاجها".
وقال جعفر :"لا تساعد هذه الأنظمة على تلبية الطلب المحلي المتزايد على الطاقة في المنطقة، مع وجود أنظمة أسعار من شأنها إحداث نتائج سلبية، ومنح استخدام النفط الأفضلية على حساب الغاز في قطاع توليد الطاقة وغيرها من القطاعات بسبب عدم وجود الحافز الكافي لإنتاج الغاز وإمداد القطاعات الاقتصادية بما تحتاجه من الطاقة. وهذا النظام يقدم للقطاعات الاقتصادية فرصة كبيرة لترشيد النفقات، فيما يعود بالضرر المباشر على عائدات التصدير على المدى البعيد".
العراق في تقرير البصمة البيئية
ويحتل العراق مساحة 11.4 مليون هكتار من الأراضي والمياه المنتجة. من تلك المساحة يوجد 4 ملايين هكتار من الغابات، و5.5 مليون هكتار من الأراضي الزراعية، و 4 ملايين هكتار من المراعي، و 932 ألف هكتار لدعم البنية التحتية في البلاد. وفي العراق كذلك 198 ألف هكتار من الجرف القاري والمياه الداخلية لدعم مصائد الأسماك.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الفروقات بين معدلات الإنتاجية الإقليمية بالنسبة للأراضي الزراعية والمراعي والغابات ومصائد الأسماك مقارنة بمستويات الإنتاجية العالمية المقابلة، فان اجمالي القدرة البيولوجية للعراق هو 7.2 مليون هكتار عالمي، وهذا اقل بكثير من بصمتها البيئية الإجمالية البالغة 42.4 مليون هكتار عالمي.
يشار إلى أن معدل البصمة البيئية للفرد في العراق هو 1.4 هكتار عالمي، أي حوالي نصف البصمة البيئية العالمية البالغة 2.7 هكتار عالمي. وبالمقارنة مع بقية العالم، فان معدل البصمة البيئية لكل مقيم في العراق هو صغير، وبالنسبة للكثيرين يعتبر صغيرا جدا بحيث انه لا يفي بالاحتياجات الأساسية من الغذاء والمأوى والصحة والمرافق الصحية. ومن اجل تحقيق تحسينات أساسية في نوعية الحياة، ينبغي تأمين سبل وصول أفضل إلى الموارد الطبيعية لقطاعات كبيرة من سكان البلاد، علماً أن تحقيق هذا الأمر ينطوي على عدة استراتيجيات: تحسين ملحوظ في كفاءة الموارد وتنمية القدرة البيولوجية من دون تكثيف إنتاج الموارد.
إن البصمة البيئية للفرد في العراق هي أعلى بكثير من القدرة البيولوجية المتوافرة للفرد في البلاد والبالغة 0.2 هكتار عالمي، وذلك لارتفاع معدل النمو السكاني منذ العام 1961، وفي الآونة الأخيرة بسبب القلاقل السياسية الناجمة عن الحروب والغزو والعقوبات. فلقد ارتفع عدد سكان البلاد من 7.6 مليون في العام 1961 إلى 29.8 مليون في العام 2008. وخلال الفترة نفسها تدنت القدرة البيولوجية المتوافرة للفرد بنسبة 70 في المئة.