TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نخلات جدي ونخلات الدولة!

نخلات جدي ونخلات الدولة!

نشر في: 1 ديسمبر, 2012: 08:00 م

كان جدي مالك أرض تمتد على مدى البصر، فيها ثلاثة بساتين للنخيل متفرقة، ورابعة صغيرة للفواكه بمختلف أصنافها. بساتين النخيل كانت مزدحمة بأشجارها التي ربما بلغ عددها الألف نخلة.

أظن ان جدي هو الذي زرع أشجاره كلها بيديه، ففي طفولتي الباكرة كنت أراه يعتني بها واحدة واحدة برغم ان لديه عددا من الفلاحين.. وباستثناء نخلة واحدة فقط لم تكن في بساتين جدي نخلات معوّجة أو ميتة.. كلها، باستثناء تلك الواحدة، كانت مرفوعة الرأس والهامة وتعكس خضرة سعفها وثقل عذوقها وتمتعها بالصحة والعافية.

استعيد ذكرى جدي وصورة بساتينه وارفة الظلال وعنايته الشخصية بنخلاته الألف كلما مررت راكباً بطريق مطار بغداد "الدولي" (!)، ففي إطار التحضيرات لقمة بغداد العربية، التي تأجلت سنة كاملة من أجل ان تكتمل هذه الطريق، زرعت الشركة المكلفة إعادة إحياء الطريق ما لا يتجاوز عدده مئتي نخلة حاولتُ غير مرة أن أحصي عدد المعوجّ والميت منها فلم أفلح لكثر العدد.

جدي لم تكن لديه ماكنة يستعين بها للعناية بنخلاته الألف وأشجار البرتقال والنارنج والمشمش والرمان والتوت والتين والعنب في بستان الفاكهة الصغير الملتصق بداره الكبيرة .... كان يتنقل بين تلك البساتين على قدميه أو ممتطياً فرسه.

الآن، بفضل طريق مطار بغداد، أكتشف ان جدي كان رجلاً عظيماً بقوة خارقة.. أقوى من انكيدو وهرقل وسوبرمان وغراندايزر، فقبل ثمانين سنة وأكثر صنع معجزة تعجز عنها اليوم دولة يزيد دخلها السنوي من النفط وحده عن مئة مليار دولار.... جدي لم تمت له نخلة واحدة من نخلاته الألف ولم تعوج منها سوى نخلة واحدة كنا نمتطيها في طفولتنا الباكرة قبل ان نتعلم ركوب الخيل، فيما لدينا دولة، هي دولتنا العراقية في زمنها "الديمقراطي"(!)، بكل قوتها وجبروتها اللتين تستعرض بهما عضلاتها الآن في طوزخورماتو والمناطق المجاورة، تقف مشلولة أمام 200 نخلة زرعتها على طريق المطار مات واعوجَّ ما قد يبلغ ربع عددها في غضون سنة فقط بعد زراعتها.

نصيحة مني إلى الكرد: لا تخيفنّكم قوات عمليات دجلة ولا تقلقوا من المواقف المتعنتة للقائد العام للقوات المسلحة، فدولة لا تستطيع أن تجعل النخلات المئتين على طريق مطارها على شاكلة النخلات الألف التي زرعها جدي قبل ثمانين سنة وأكثر لن تغلب بيشمركتكم.. إنها تقدم عرضاً زائفاً لقوة لا وجود لها.. اذهبوا إلى مطار بغداد والقوا بنظراتكم على نخلات طريقه لتتأكدوا من إنني لا أغشكم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. ابراهیم عبد العلی قوربان

    السید عدنان حسین المحترم تحیه‌ وبعد الف عین لاجل عیون الطیب عدنان ، والله‌ امثالکم فقط می یستحقون ان یکون الکورد شرکاء لهم فی العراق . ابراهیم

  2. ابو زبيدة

    ارى المقال مع الاسف تحريض في تمادي الاقليم على العراق ووحدته والالتزام بالدستور الاعوج الذي اشترطوه قبل غيرهم

  3. توفيق جاسم

    الاستاذ الفاضل عدنان حسين تحية لكم وتحيه الى جدكم الذي يمثل الزمن الجميل واود ان اذكركم ياستاذ بان كل شي اعوج ولايقتصر على النخلات تقبل خالص تحياتي وارجو ان تقبلني صديق دائم لكم المهندس توفيق جاسم

  4. ليالي صالح

    السيدالاستاذ عدنان تعجبني كل كتاباتك وكما يقولون حطيت ايدك عالجرح لانني اموت قهرا كلما مررت بنخلات طريق المطار ونخلات بساتين طريق الدورة السريع دولة لا تقدر على رعاية نخلتنا التي اول ما تعلمنا الرسم اطفالا رسمناها كيف تستطيع ان ترعى مواطنيها رحم الله جدك

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram