ملف حقوق الإنسان في العراق خضع هو الآخر للتجاذبات السياسية، وبغض النظر عن الآراء والمواقف المتقاطعة ، هو بأمس الحاجة للشفافية لعرض الوقائع والحقائق ، وتقارير المنظمات الدولية عن حجم الانتهاكات الكبيرة لحقوق العراقيين تنظر لها بعض الأطراف بارتياب ، لكونها تصدر من جهات تحركها دوافع سياسية ، تحاول النيل من التجربة الديمقراطية ، وتشويه صورة النظام في العراق ، وبمعنى أدق ممارسات السلطة ، فيما يراها طرف آخر بأنها واقعية ، وموثقة بالأرقام والأسماء ، ولدى الطرفين غاية سياسية في استخدام هذا الملف لتحقيق المكاسب ، في ظل غياب الشفافية ، وانعدام إمكانية إظهار الصورة بحجمها الطبيعي من دون رتوش .
الطرف الأول بإصراره على الدفاع عن التعاطي مع ملف حقوق الإنسان طبقا للمعايير الدولية لديه قناعة راسخة بأن من يعارض رأيه أو موقفه ، يصطف مع "الطراطير" الساعين لتشويه المنجزات والمكتسبات المتحققة طيلة السنوات الماضية ، ومن الطبيعي جداً أن لا أحد من العراقيين من السلف الصالح والجيل الحالي يرتضي لنفسه أن يكون ضمن فيلق الطراطير وإطلاق مثل هذا الوصف يعده جريمة ، وانتهاكا لحقوق الإنسان ، وأحد أبطال الشاشات الفضائية المعروف بإطلالته اليومية في نشرات الأخبار ، اتهم المطالبين بزيارة السجون والمعتقلات للاطلاع على أوضاع المحتجزين والمحتجزات للتأكد من عدم تعرضهم للتعذيب ، للحصول على اعترافات قسرية ، اتهمهم بأنهم عناصر في جوقة تعاني الغباء السياسي ، لا تجيد سوى عرقلة أداء الحكومة ، وتشويه تعاطيها مع ملف حقوق الإنسان ، وهؤلاء الطراطير بحسب وصفه " يعرفهم القاصي والداني وهم سبب الأزمة الراهنة وتعطيل التشريعات وعرقلة الأداء الحكومي واضطراب الأوضاع الأمنية في البلاد "
عناصر "جوقة الغباء السياسي" على حد قول بطل الشاشة ، تناسى أن هذه الجوقة كتبت الدستور ، التزمت بمواده ، وتمسكت بالتداول السلمي للسلطة ، وبتوافقاتها حصل أصحاب المناصب الحالية على مواقعهم ، وامتيازاتهم ، ومنهم من يتطلع لدورة ثانية أو ثالثة للحفاظ على منصبه ، وليس مستبعدا أن يتحقق مثل هذا الهدف ، لأن أبطال الشاشة تبرعوا بالدفاع عن أسيادهم ، وطالبوا بتطهير البلاد من كل الطراطير لاستخدامهم ملف حقوق الإنسان بدوافع "سياسية رخيصة" .
المفتش العام في وزارة العدل دعا أعضاء مجلس النواب ، ومنظمات المجتمع المدني إلى توجيه أسئلة دقيقة للمعتقل أو الموقوف عن المكان والجهة المتورطة بتعذيبه وانتهاك حقوقه ، فربما يكون قد تعرض للانتهاك في سجن التسفيرات أو سجون أخرى غير تابعة لوزارة العدل ، ودعوة المفتش تتضمن اعترافا بوجود تعذيب ، أما وزارة حقوق الإنسان فأعلنت في أكثر من مناسبة أنها حريصة جدا على اعتماد المعايير الدولية في إدارة السجون والمعتقلات ، ورفضت خضوع النزلاء للتعذيب .
ما قاله المفتش في الوزارة المسؤولة عن إدارة المعتقلات ، والأخرى المعنية بحقوق الإنسان يؤكد وجود انتهاكات ، فأين الطراطير في هذه المعادلة ؟