أظن أن رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي أوقع نفسه مجدداً في الخطأ عندما هدّد وتوعّد النواب الذين أعلنوا أن يتجهون لطرح الثقة به مرة أخرى، فهو (المالكي) يتبدى بتهديده ووعيده ساعياً إلى مصادرة الحق الدستوري لأعضاء البرلمان في مساءلة رئيس الحكومة ومحاسبته.
من الممارسات المعتادة في البلدان الديمقراطية أن يسائل البرلمان الحكومة ورئيسها وأن يسحب الثقة منهما مثلما يمنحهما إياها. ومهما كانت الأسباب والدوافع وراء إعلان بعض النواب عن رغبتهم باتخاذ إجراءات لسحب الثقة منه، ما كان على السيد المالكي خلال مؤتمره الصحفي أمس الأول أن يهدد بالرد على ذلك باتخاذ إجراءات غير مسبوقة في حق أصحاب هذا المشروع، فهذا يعني أن المالكي يدعو النواب إلى عقد مساومة معه: يسكتون عن تجاوزات له ليسكت هو في المقابل عن تجاوزات لهم، وإلا فالعين بالعين والسن بالسن.
البرلمان كلّف السيد المالكي بإدارة السلطة التنفيذية في الدولة على نحو صحيح وسليم وبما يتوافق ويتواءم مع أحكام الدستور ويضمن تطبيق القانون وتحقيق العدالة، لكن كلامه يعني انه يعرف ان الداعين الى سحب الثقة لديهم تجاوزات على القانون بحيث يمكن ملاحقتهم، بيد انه يريد أن يربط هذا بمسألة طلب سحب الثقة، فإن تحركوا يتحرك وإن توقفوا يتوقف.
هذا يشبه في وجه من وجوهه ما كان المالكي قد أعلنه غداة الإعلان عن ملاحقة نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي، فيومها قال المالكي انه كانت لديه منذ سنتين المعلومات والأدلة الكافية لإدانة الهاشمي بالتورط في الإرهاب، وان بين يديه ملفات أخرى مماثلة تخصّ مسؤولين كباراً في الدولة غير الهاشمي. ويومها أيضاً لام عدد غير قليل من السياسيين والإعلاميين رئيس الوزراء لأنه قد "تستر" على أفعال الهاشمي "الإرهابية" ويتستر على أفعال مماثلة لغيره.
ويبدو أن هذه ممارسة روتينية للسيد المالكي ففي مؤتمره الصحفي أيضاً أعلن عن أن "من يقف خلف الفساد هم أشخاص يعملون في لجنة النزاهة البرلمانية أصلا"، وان "أعلى صوت في اللجنة دفع 5 ملايين دولار من أجل تعطيل عمل لجنة التحقيق في فساد البنك المركزي"، وأن "هناك عضوا آخر دفع 10 ملايين دولار لهذا الغرض".
هذا أمر غريب للغاية، فمن المفترض أن رئيس الوزراء لديه الأدلة القاطعة على ما يقول، والسؤال: لماذا يسكت على تجاوزات خطيرة كهذه؟ لماذا يريد أن يستخدم هذه القضية لأغراض التهديد والوعيد حتى لا يُطرح موضوع الثقة به مجدداً؟
المالكي وحكومته ملزمان بموجب الدستور والقوانين السارية بمحاربة الفساد والكشف عن الفاسدين والمفسدين وتقديم ما لديهما من معطيات إلى السلطة القضائية لكي تقوم بواجبها في ملاحقة هؤلاء ومحاكمتهم لوضع حد لفسادهم، لكن السيد المالكي يظهر هنا في مظهر المتستر على الفساد، وهو أمر غير مقبول ومناقض لأحكام الدستور الذي بموجبه أصبح المالكي رئيساً لمجلس الوزراء. وهذا (الخروج على أحكام الدستور) في حد ذاته سبب كاف لطرح الثقة بالسيد المالكي وحكومته.
سبب كاف لسحب الثقة
[post-views]
نشر في: 2 ديسمبر, 2012: 08:00 م