TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > زمن "المكّاوية "

زمن "المكّاوية "

نشر في: 3 ديسمبر, 2012: 08:00 م

منذ سنوات انقرضت "المكّاوية " ولا  أحد يعرفها من الجيل الحالي ، واستذكارها اليوم محاولة  لاسترجاع حلاوة سنوات زمن مضى  لم تكن ميزانيته   وقتذاك بمليارات الدولارات وإنما بضعة ملايين ، خصصت  النسبة الأكبر منها للإعمار ، وإنشاء المدارس والمستشفيات ، وإقامة الجسور وربط "الألوية "أي المحافظات بشبكة من الطرق مازال بعضها   على الحال السابق "سايد واحد إلى كركوك " استحق وصف طريق الموت  ،  حتى كاد ينافس  بالقدم شارع الموكب في آثار بابل.
في زمن" المكاوية " كانت العسلية ،  وهي بحجم جعب استكان من الشيرة تصب على صينية الطحين تحلّي أيام أطفال العراق ، للكبار والصغار معا  ، سكر القند والحلقوم ، ومنّ السما والسمسمية   وأصابع العروس  يتناولونها في المناسبات والأعياد ، فتجعل أيامهم أحلى ، وخصوصا في فصل الشتاء عندما    يجلس أفراد  الأسرة حول صوبة علاء الدين ،  والأنظار  تتطلع إلى التلفزيون  أبو العين السحرية يعرض فيلم الوسادة الخالية  بالأسود والأبيض   .
المكّاوية ياسادة ياكرام  مادتها الأساسية ما تبقى من الصمون والخبز ، ومنهما تصنع عجينة تكون عادة سمراء اللون على شكل دائري ، وبعد إخراجها من الفرن الحجري تغطى بالدبس ، وينشر عليها لب جوز الهند الملون ،  يحملها  البائع ليطوف مع  زملائه أبو البقصم، و بيض اللكلك والعلوجة والعسلية  ، وباعة الفرارات  في أزقة الأحياء البغدادية ،  للحصول على يوميات الجهال قبل وصولهم إلى دكان العطار الكائن في راس الدربونة .
في زمن انقراض "المكاوية " وبعد اعتماد خطط خمسية وأخرى انفجارية لتحقيق التنمية  في بلد يقال عنه  انه  يمتلك  أكثر احتياطي نفطي في العالم ، أكدت تقارير  دولية أن هناك ملايين العراقيين يعيشون تحت خط الفقر ، وموازنة العام المقبل لم تتضمن تخصيصات مالية لمعالجة الظاهرة ، وتركت مشكلة البطالة  من دون حلول ، وفي  السنة الواحدة تلتحق أعداد كبيرة من خريجي الجامعات بفيالق العاطلين ، وليس أمامهم من فرص عمل سوى  في المساطر ، المهددة هي الأخرى بحوادث انفجار سيارات ملغمة وعبوات ناسفة .
 في تقاطعات الطرق والساحات العامة  في العاصمة بغداد ينتشر  الباعة من مختلف الأعمار ، وعملهم  يقترب من التسول ، وصور هؤلاء  ،  تناولتها وكالات أنباء عالمية ، ونشرت بصحف عربية مع تعليق  "شعب أضخم موازنة في المنطقة " في زمن انقراض "المكاوية "  والتعليق ينطوي على إشارة صريحة  لا تحتاج إلى تفسير ، ولكنها بنظر العراقيين قد تكون حافزا لأصحاب" الغيرة وأهل الرحم " على تحسين الأداء الحكومي والسياسي ، وتجاوز الأزمات ، وتحقيق هذه الأمنية من المستحيلات  ، ومن المؤكد أن معجزة تسوية الخلافات بين الأطراف المشاركة في الحكومة ستمهد الطريق لاعتماد خطط خمسية وانفجارية ، وبجهود النشامى من المسؤولين والسياسيين سيتم دحض تعليق الصحف العربية  حول انتشار الفقر في العراق البلد النفطي ، ولكن المصيبة  أن النشامى وأكثرهم عاصر زمن "المكاوية " يتمسك بمواقفه ، ويتهم الآخرين  بإعادة البلاد إلى العصور الحجرية .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram