TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > تحرير الإعلام

تحرير الإعلام

نشر في: 4 ديسمبر, 2012: 08:00 م

سوف تتعقد عملية السعي لتحرير الإعلام المصري سواء في محاولة الانفلات من سيطرة رأس المال على الإعلام الخاص أو على الأقل تحجيم هذه السيطرة، أو من سيطرة الحكومة على الإعلام العام الذي هو نظريا ملك للشعب، وقد ناضل الإعلاميون كثيرا وطويلا من أجل أن تصبح ملكية الشعب حقيقة لا مجرد أقوال ،أي أن يصبح الإعلام فعلا مستقلا عن السلطة قانونيا وتنظيميا وسياسيا ليعبر عن كل المجتمع وليس عن الحكومة فقط ،أي أن يكون إعلاما للدولة المصرية لا للحكومة.

ومصدر التعقيد الرئيسي الآن هو الإعلان الدستوري الجديد غير الشرعي الذي أصدره الرئيس «محمد مرسي» وأصبح بمقتضاه حاكما فردا مهيمنا على كل مفاصل الدولة بما فيها الإعلام القومي.

من المفترض نظريا أن يعبر الإعلام القومي عن كل قوى المجتمع ومناطقه وتياراته السياسية والفكرية، والاجتماعية والاقتصادية، ولكن هذه القرارات سوف تتجه طبقا لمؤشرات كثيرة إلى إحكام القبضة على الإعلام القومي بل والتضييق على الإعلام الخاص وصولا لإسكات صوته، وقد تجلى هذا التوجه في كل من الطريقة التي تعامل بها مجلس الشورى الذي يسيطر عليه نواب الإسلام السياسي مع رؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارات الصحف التي يملكها نيابة عن الحكومة ،وذلك حين اختار معظمهم لا على أسس مهنية موضوعية وإنما على أساس واحد هو الولاء للحكام الجدد.

كذلك بينت المسودات المختلفة لمشاريع الدساتير التي عرضتها الجمعية التأسيسية على المصريين حتى الآن نزوعا واضحا لفرض الوصاية على أجهزة الإعلام ومراقبتها ومعاقبتها عامة وخاصة، وما إغلاق قناة دريم إلا رأس الذئب الطائر.

كما تجلى هذا التوجه بغاية الوضوح في مقترحات المواد التي تدعو لمصادرة الصحف وإغلاقها وحبس الصحفيين في قضايا النشر.

ورغم الحرية النسبية التي تتمتع بها الصحف والقنوات التليفزيونية الخاصة التي يمولها رأس المال، فإن مثل هذه الحرية ومضمونها تظلان مرهونتين إلى حد كبير بطبيعة النشاط الأساسي لرأس المال وإذا ما كان نشاطا إنتاجيا يسهم في توسيع القاعدة الاقتصادية في البلاد، أم نشاط مضاربات ووكالة وسمسرة، في الحالة الأولى يخضع نشاط رأس المال للسوق الوطني فتخدم علاقاته الخارجية الاحتياجات الداخلية للبلاد وتلتزم بها، وفي هذه الحالة يمكن أن نثق في الدور الذي تلعبه هذه القنوات والصحف في تنمية الديمقراطية والتحاور عقلانيا بين ممثلين لكل قوى المجتمع وتياراته.

أما في الحالة الثانية فسوف أذكر قول صديقة أمريكية أنها أحيانا ما تقضي أربع ساعات أمام التليفزيون وحين تبحث عما خرجت به فلا تجد شيئا، أي أن دفع الجمهور إلى تضييع الوقت واستخدام كل وسائل الإثارة الفارغة مع بث رسائل رجعية معادية للكادحين وللحريات في الغالب الأعم، بل وسوف نلاحظ في السياق المصري أن بعض القنوات التي تضع لافتات دينية تحض لا على كراهية أصحاب الديانات الأخرى بما يعني تأجيج الفتنة الطائفية وإنما تطعن   عقائد المسلمين غير السنة مثل الشيعة والدروز والعلويين ارتباطا بأيديولوجيات عنصرية وتمييزية تفرق بين البشر، وإذا ما تحرر إعلام الدولة ولو نسبيا فإنه سوف يدفع الإعلام الخاص في اتجاهات جادة وديمقراطية ليلعب دورا تقدميا عقلانيا يضاعف مع إعلام الدولة المتراكم في سجل الحركة الوطنية والشعبية والاجتماعية في البلاد، ويفتح الأبواب أمام حرية الإعلام يتحول بمقتضاها إلى أداة للتنوير والتقدم تدفع بالصراع الاجتماعي إلى الأطر الصحيحة والصحية التي تفضي إلى تطوير الحياة وتحسين مستوى معيشة وتفكير الكادحين، وتنمية قدراتهم ومواهبهم، بل وتساعد حتى على الوصول إلى توافق سياسي - اجتماعي يجري بناؤه على المشتركات الكبرى بين كل الطبقات الوطنية والقوى الديمقراطية، وهو دور تلعبه فعلا بعض هذه الصحف والقنوات التليفزيونية، ولعل أبرزها في هذا السياق الديمقراطي أن تكون قنوات أون تي في وفي قلب هذا الهجوم الكاسح على الحريات، والاعتداء على السلطة القضائية، ومد العمل للجمعية التأسيسية الباطلة رغم أنف كل القوى الديمقراطية.. في القلب من هذا السواد تبرز نقاط ضوء علينا أن نمشي خلفها، أولها الاتجاه العالمي لتأكيد الحريات والحقوق الديمقراطية، ونحن نعيش في قرية صغيرة كما يقال.

كذلك فإن ثورة المعلومات الحديثة، وولادة أجيال جديدة في قنوات التواصل بين البشر التي تصعب مراقبتها أو حجبها وإتقان الشباب الفذ للتعامل معها وبينهم شباب الإعلاميين تشكل جميعها ملاذا مهما للحركة الديمقراطية، بل وهي أيضا أداة تعبئة للجماهير المتعطشة للتغيير والتواقة لاستكمال ثورتها وسيكون من بين المهمات التي تلقيها الثورة على عاتق شبابها خلق جسور بين المعرفة التي يتوفرون عليها كأداة إعلامية حديثة وبين الجماهير الكادحة والأمية التي كانت وستبقى وقودا للثورة بالرغم من الهوان والحرمان.

أما الإعلاميون الذين قدموا أكثر من مشروع لتحرير الإعلام ولم يستمع إليهم أحد فهم مدعوون لأن يواصلوا كفاحهم ويحشدوا جهودهم ويسقطوا الحواجز الزائفة بين الصحافة المقروءة ورقية وإلكترونية وبين الإذاعة والتليفزيون من جهة أخرى، ففي الاتحاد قوة كما تعلمنا.

إن تحرير الإعلام هو معركة تندرج ضمن أهم معارك النضال الوطني والديمقراطي، بل إنها تقف على رأس الأولويات في هذه العملية المتواصلة على كل الجهات لاستكمال ثورة 25 يناير ووضع شعاراتها النبيلة موضع التنفيذ، وما ضاع حق وراءه مطالب، وهذا ما يعرفه جيدا كل المناضلين من أجل الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: الكاتب الحقيقي

العمودالثامن: جمهورية قص اللسان

العمودالثامن: مطاردة الرأي الآخر!!

ضجيج الدجاجة:عندما يتحول الصخب إلى أداة لتسويق الوهم

العمودالثامن: حكاية علي الوردي وشباب الناصرية

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر باخبار الموت والفجائع، والصمت العالمي، في كل يوم تواجه بهذا السؤال الأزلي: لماذا تكتب عن...
علي حسين

باليت المدى: في مرسم غوستاف كليمت

 ستار كاووش ما أن وضعتُ قدمي في مدينة فيينا، حتى بدأتُ أفكر بمرسم غوستاف كليمت الذي يقع في ضاحية هيزتنخ خارج فيينا. قمتُ بجولة صغيرة ثم تبضعتُ بعض الاشياء التي أحتاجها، وانتظرت حتى...
ستار كاووش

كيف ساهمت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والبرمجة التجسسية في هذه الحرب؟

د. محمد حسين الرفاعي ضمن فرضيات تفسيريَّةٍ فاهِمَة، هي تحيا وتعيد بناء ذاتها من تحت القصف، ومعاينة أحوال نازحين والمشردين، في مواجهة الموت على نحو وجودي عميق؛ هذه المواجهة التي كنتُ قد جرَّبتها ببغداد...
محمد حسين الرفاعي

بينما يحترق الشرق الأوسط، ما الذي يتطلبه إنهاء الصراع؟

بول آدامز* ترجمة: عدوية الهلالي مع الهجوم على إسرائيل ومعاناة غزة من التفجيرات المدمرة، شعرنا وكأننا نشهد نقطة تحول.لقد انفجر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مرة أخرى، بعد أن غاب لسنوات عديدة، ويبدو أن الأمر فاجأ...
بول آدامز
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram