فارق كبير بين هذا العنوان وعنوان مقال الزميل سعدون محسن ضمد في صحيفة المدى ، وعنوانه ( توطين المقدس )، فالاخ ضمد يريد ان يعطي بعدا ( قطريا ) للمقدس ، وكذلك بعدا قوميا في التعاطي معه ، ويستخلص على اساس ذلك نتائج مقالته ، فهو يعد النبي الاكرم محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) سعودي الولادة والانتماء ، كما هم ائمة اهل البيت عليهم السلام .
لكن ما فات السيد ضمد هو ان البعد الذي يتعاطى به المسلمون مع نبيهم الاكرم ، بل وسائر الانبياء هو بعد متعدي للحدود الجيوسياسية الحديثة، بل ان اصل بعثة النبي هو القضاء على هذا البعد ، كونه بعدا معطلا لحركة الانبيا ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير) ، ولهذا كان الاسلام ولازال يحارب الضغينة العرقية والاثنية ، كونه دين عالمي يتعاطى مع الانسان بمعيار انسانيته ( الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق )، لا بمعيار انتمائه ، لهذا لم نجد مدحا لقومية دون اخرى او عرق دون اخر في نظرية الاسلام .
ان الاسلام ونبيه الذي رفع سلمان الفارسي ووضع شريف قريش ابا لهب ماكان لينظر الى البعد القومي ، او الانتماء الاجتماعي او المناطقي ( القطري ) في تعاطيه . بل ان التعاطي الديني على اساس الاحساب او الانساب او الانتماء لدى اي قوم انما هو امتداد للثقافة الجاهلية المترسخة لدى البعض ، لذا قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه واله وسلم ، ثلاثة من الجاهلية ، الفخر بالاحساب ، والطعن في الانساب ، والدعاء بدعوة الجاهلية )
وان هذا البعد ( ان اكرمكم عند الله اتقاكم ) هو الذي جعل الفارسي يذيب فارسيته وشخصيته بهوية الاسلام الجديد ، ، بل وان علو وابتعاد بعض العرب عن نبي الاسلام واعتدادهم باصنامهم وجاهليتهم هو الذي ابعدهم عن الاسلام وهويته .
ولهذا ايضا فان تقديس الشيعة لبعض المناطق التي تتواجد فيها اضرحة ائمة اهل البيت ، بسبب وجود تلك الاجساد الطاهرة فيها ، فالمقدس هو الذي يفضي التقديس على الارض والوطن ، بغض النظر عن انتماء تلك الارض الاجتماعي او المذهبي ، لهذا تجد ان مدينة مشهد ( الايرانية ) لاتقل قدسيتها عن مدينة كربلاء (العراقية ) ، كما هما لايقلان عن المدينة المنورة ( السعودية ) في التقديس ، فهما في التقديس سواء لوجود المقدس فيها ، وليس العكس .
فلايمكن النظر الى النبي الاكرم وبعض ائمة اهل البيت على انهم (سعوديو) الانتماء ، كما لاينظر الى الامام علي بن موسى الرضا على انه (ايراني) الانتماء، ولو نظر اليهم بهذا المنظار لاختلفت نسبة الولاء بناءا على ذلك ، فانت تجد ان بعض الايرانيين اكثر ولاءا ربما من بعض العراقيين للحسين وابي الفضل العباس ( عليهما السلام) ، كما قد تجد ان بعض العراقيين اكثر ولاءا وتقديسا للامام الرضا ( عليه السلام ) من بعض الايرانيين ، وهذا ناتج من عدم النظر الى خلفية المقدس العرقية والاثنية او المناطقية .
ان اضفاء البعد السياسي ( الاقليمي او المحلي ) على قداسة المقدس هو محاولة اخرى لافراغ هوية المقدس من محتواها ، وجرها الى دائرة الصراع السياسي الضيق ، والذي من شانه ان يشوه الصورة الحقيقية لهوية المقدس ويقزم من رسالته ودواعي تقديسه .