في أكثر ملفات الفساد التي تكشف للملأ، ينتهي الأمر في أغلب الأحيان إلى هروب المفسدين المعنيين بهذا الملف إلى خارج البلد، وفي الأغلب إلى بلدان أخرى، يمتلكون فيها جنسية ذلك البلد التي تحميهم من المتابعة القضائية. وهناك أمثلة كثيرة بدءاً بهروب وزيري الكهرباء الأسبقين أيهم السامرائي ووحيد كريم والكثيرين غيرهم التي كشفت التحقيقات بعد هروبهم مشاركتهم في عمليات فساد، وبذلك يكونون بعيدين عن يد القضاء الذي يعجز عن جلبهم إلى العراق لمحاسبتهم. وقد جرت محاولات كثيرة لإقرار قانون منع ازدواج الجنسية للسياسيين الذين يتبوأون مناصب عليا وحساسة في الدولة. وباءت بالفشل هذه المحاولات لإقرار هذا القانون، لإحساس هؤلاء المسؤولين باحتياجهم للجنسية الثانية عند تعرضهم للمساءلة أمام القضاء فيما لو أدينوا بملفات فساد، لهذا باتت الجنسية الثانية لهؤلاء السياسيين ملاذاً آمناً في حالة تعرضهم لأي مساءلة قانونية. وبالأخص أن العدد الكبير من سياسيينا هم وعوائلهم غير مقيمين في العراق. وهم لا يعنيهم العراق سوى الحصول على امتيازاتهم العالية التي يتمتعون بها، لذلك لا نشهد خلافاً في ما بينهم على إصدار قوانين وتشريعات تخص امتيازاتهم الكثيرة التي وصلت إلى حد تخصيص مبلغ شهري للقرطاسية التي يستعملونها!
إن ملفات الفساد باتت تتكشف بشكل يومي، وآخر ملف للفساد هو ملف صفقة الأسلحة الروسية، الذي كشفت عنه الحكومة الروسية عندما أقالت وزير دفاعها ورئيس أركانه بسبب شبهات الفساد التي أثيرت حولهم مؤخراً في ملفات كثيرة، من ضمنها صفقة الأسلحة الروسية للعراق. وكان العراق وروسيا قد وقعا اتفاقا للتعاون العسكري خلال زيارة المالكي موسكو في شهر تشرين الأول الماضي ، وقد رافق رئيس الوزراء فيها، وزراء الدفاع والخارجية والنفط والتجارة ورئيس الهيئة الوطنية للاستثمار، ورئيسا لجنتي العلاقات الخارجية والأمن والدفاع في مجلس النواب، والمستشاران الإعلامي والقانوني لرئيس الوزراء.
وبعد أن أعلن علي الموسوي المستشار الإعلامي للمالكي بأيام عن إلغاء الصفقة بسبب ما شابها من شبهات فساد. إلا أن المسؤولين العراقيين مازالوا يتخبطون في تصريحاتهم المتناقضة حول هذه الصفقة التي اتهم أكثر من مسؤول عراقي فيها بأخذ رشا من الجانب الروسي لإقرارها. وكان مصدر في الحكومة الروسية قد ذكر أن حكومة بلاده لم تلغِ صفقة السلاح مع العراق واصفاً التصريحات العراقية بهذا الصدد بـ”الشائعات”. ونقلت صحيفة “كوميرسانت” الروسية عن مصدر في الحكومة الروسية أن موسكو ستطالب بغداد بتقديم إيضاحات بشأن انتشار شائعات متعلقة بإلغاء صفقة سلاح بين البلدين التي تقدر قيمتها بـ 4.2 مليار دولار. رغم أن وزير الدفاع الروسي أقيل من منصبه بسبب هذه الصفقة.
وقد نفى وزير الدفاع العراقي بالوكالة سعدون الدليمي في مؤتمر صحفي، إلغاء الصفقة، وأكد انه يتحمل المسؤولية أمام العراقيين عن أي شبهة فساد فيها، وأن صفقة السلاح الروسى مستمرة وهي في طور التفاوض من أجل تقليل قيمة العقد للحصول على أفضل العروض ،مشيرا إلى أن العراق تلقى عروضا لدراستها ،وقد حددَّ له 30 يوما لغرض الاتفاق النهائي لكنه تأخر في الدراسة وإعلان موقفه منه.
غير أن مصدر رفيع المستوى في الحكومة العراقية كشف عن أن إلغاء صفقة الأسلحة مع روسيا ستكلف العراق ملايين الدولارات، مؤكداً سعي الحكومة العراقية للبحث عن حل قانوني للصفقة. وأن "الحكومة العراقية لا تستطيع إلغاء صفقة الأسلحة مع روسيا لأن ذلك سيحمل العراق دفع ملايين الدولارات حسب العقود المبرمة بين الطرفين". وأن "بغداد تبحث حاليا عن مخرج قانوني للقضية يجنب العراق خسارة الأموال " مشيراً إلى أن "الموضوع ما زال حتى الآن قيد الدراسة".
وكانت الحكومة العراقية قد قررت إعادة التفاوض مع موسكو بشأن صفقة الأسلحة التي ألغيت مؤكدة مضيها في شراء الأسلحة لحماية أمن البلاد وسيادتها.
والذي يعنينا في هذا المجال أن هذا التخبط في التصريحات لمسؤولينا السياسيين يؤكد على أن هناك فساداً جلياً في هذه الصفقة . وقد طالب نواب في البرلمان رئيس الوزراء المالكي بالكشف عن هذه الأسماء وعدم السماح لهؤلاء بمغادرة العراق إلى خارج العراق مثلما حدث في كثير من ملفات الفساد التي أثيرت في السنوات السابقة .وقد استطاع بالفعل المتورطون في قضايا الفساد تلك من مغادرة العراق وظل القضاء عاجزاً عن ملاحقة هؤلاء والقصاص منهم. وبالفعل استطاع احد الذين ورد اسمه في قائمة المشار إليهم في فساد هذه الصفقة من السفر خارج العراق والاختفاء بعيداً عن الأنظار. لذلك طالب بعض النواب، المالكي بالكشف عن أسماء الذين تلقوا عمولات من الجانب الروسي لتمرير صفقة الأسلحة . ووصفوا في مؤتمر صحفي عقد بمبنى المجلس، هذا الأمر بأنه: "خطير و يستدعي من جميع الشرفاء في العراق من سياسيين أو أكاديميين، أن لا يتركوا هذا الأمر يمر مرور الكرام". وأكدوا "أننا نرى أن الواجب الوطني يدفعنا لمطالبة رئيس الحكومة بالكشف عن المتورطين في صفقة الأسلحة الروسية، لأننا نرى أن الفساد في العراق لا يقل خطورة عن الإرهاب". وأضافوا " إن المثير للتخوف هو أن الملف المتعلق بقضية صفقة الأسلحة الروسية ، أدير من قبل مستويات متقدمة في الدولة ، لذا فإننا نتمنى من رئيس الوزراء أن يقوم بالتحقيق ويكاشف الشعب والطبقة السياسية بأسماء المتورطين بالقضية لا أن تتم لملمة الموضوع بسبب ضغوط أو لأي سبب آخر".
كل ذلك يدلل على ضرورة تجديد المطالبة بإقرار قانون منع ازدواج الجنسية للمسؤولين الكبار في الدولة الذي نص عليه الدستور، مؤكدين أن تشريعه سيدعم العمل الرقابي ويساعد على محاربة الفساد المالي والإداري. يذكر أن الدستور العراقي نص على إقرار قانون يمنع ازدواج الجنسية للمسؤول العراقي، من النائب إلى الوزير، كما أن هناك العديد من المسؤولين العراقيين يمتلكون جنسية أجنبية إلى جانب الجنسية العراقية".
وعلى الرغم من مضي 7 سنوات على العمل بالدستور، إلا أن أي خطوة حقيقية لم تفعّل في هذا الاتجاه، رغم موافقة مجلس الوزراء على "إعداد مشروع قانون يلزم العراقي الذي يتولى منصباً سيادياً أو أمنياً رفيعاً بضرورة التخلي عن جنسيته الأجنبية تنفيذاً لحكم المادة 18 من الدستور". كما أفادت الأمانة العامة لمجلس الوزراء مؤخرا أن مشروع قانون منع ازدواج الجنسية للمسؤولين في الدولة معروض حاليا أمام المجلس، وقال علي العلاق في تصريح سابق إن "مشروع القانون تم إعداده في ضوء فقرات الدستور التي تحظر على المسؤولين في الدولة حمل أكثر من جنسية"، موضحا أن المشروع يحدد المناصب المشمولة بالقانون، والتي تمثل رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب وأعضاء مجلس النواب والوزراء والقادة العسكريين بمراتب معينة ورؤساء الهيئات والدرجات الخاصة. ترى متى يلغى هذا الملاذ الآمن للفاسدين؟
جميع التعليقات 1
احمد قلاتوبزاني
وهذه أيضاً ضمن ما اشرت اليه في إشارتك السابقة (ليتني ما عرفتهم )، واقترح احد المطلعين على مثل هذه التفاصيل تأليف كتاب تضم كل هذه ( المقامات ) العراقية الجديدة او (الايام والليالي الجديدة ) ، والتي اشاعت القناعة ( وليس الايمان ) بانه من المستحيل بناء دولة