خلال يومين فقط، شهدت الأزمة السورية تطورات متسارعة، على الصعيدين السياسي والعسكري، فقد حذر الرئيس الأميركي نظام الأسد من استخدام أسلحة كيميائية ضد شعبه، معتبرا أن ذلك يشكل خطأً جسيماً ستكون له عواقب، وكشف أن بلاده ستواصل دعم تطلعات السوريين المشروعة، وستعمل على عملية انتقالية نحو سوريا محررة من نظام الأسد، وإذا كانت تركيا وسوريا لم تتوصلا إلى اتفاق حول سوريا، فان الرئيس الروسي تحدث عن أفكار جديدة بشأن الأزمة السورية طرحت خلال محادثاته في إسطنبول، والمهم هو ما أعاد بوتين تأكيده، حول عدم دفاع بلاده عن النظام السوري الحالي، بقدر قلق موسكو من ما سيحدث مستقبلاً في هذا البلد، وتعبيراً عن فقدان المجتمع الدولي ثقته بقدرات النظام السوري، قلص الإتحاد الأوروبي عمل بعثته في دمشق، وعلقت الأمم المتحدة عملياتها في سوريا، بسبب تنامي الخطر فيها.
على أرض المعركة المحتدمة على كامل جغرافيا الوطن السوري، يبدو التطور الأبرز في استمرار زحف الجيش الحر باتجاه مطار دمشق الدولي، ومحاصرته أكثر من مطار عسكري، في حين يتواصل القصف على أحياء في العاصمة وريفها، وتتواصل المعارك للسيطرة على حلب، وفي الأثناء تنتقل رؤوس الأموال، خصوصاً الصناعية، من دمشق وحلب إلى القاهرة والمدن الخليجية، وينشق الناطق بلسان الخارجية، وتغرق أحياء العاصمة في الظلام، وتنقطع عنها خدمة الإنترنت، وفي الأثناء تتجه المعارضة السورية في الخارج، إلى مزيد من التوحد حول الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، السائر بخطوات ثابتة في طريق الإقصاء الدبلوماسي والسياسي للنظام، وفرض المزيد من العزلة الدولية عليه، بعد اعتراف عدد من العواصم الغربية والعربية بالائتلاف الجديد، كممثل شرعي للشعب السوري.
نقف عند هذه التطورات لنسأل، إن كان النظام السوري يفكر باللجوء إلى نظرية شمشون، " علي وعلى أعدائي "، بتجميعه مكونات أسلحته الكيماوية لحسم المعركة ضد معارضيه، ولو بثمن باهظ جداً، أم أنه يناور لتحسين شروطه التفاوضية، حين يأتي أوان المفاوضات، وفي الحالتين فإنه إن كان فعلها، فإنه يمد أصابعه إلى جمر متقد، يتمثل في رفض المجتمع الدولي القاطع لاستخدام أسلحة القرن العشرين اليوم، ومعارضوه الذين يعرفون طريقهم جيداً، ليسوا على استعداد للتراجع، فالموت عندهم هو نفسه، سواء جاء من قذيفة مدفعية أو طلقة بندقية أو الغاز الكيماوي، الهدف عندهم واضح، وهو الحرية مهما غلا ثمنها، وهم اليوم يدقون أبواب دمشق، بما يقارب الأربعين ألف مقاتل تسلحوا بما غنموه من أسلحة النظام، ولم يعد التراجع وارداً في قاموسهم، لأنه ببساطة يعني عندهم الموت بوسائل أخرى، خبروها عند من سبقهم من الشهداء.
لا تشي التطورات المتسارعة على الأزمة السورية بقرب نهايتها، فإذا سقط النظام بفعل تدخل خارجي، كنا أمام تكرار تجربة العراق، وإذا سقط على يد الثوار في دمشق، فإن المعركة ستستمر بأشكال أخرى، ذات صبغة طائفية، هي تماماً وصفة الحرب الأهلية، وإن تمكن من الصمود، فإن مزيداً من الدماء ستصبغ وجه سوريا، وتحقنها بالأحقاد والضغائن، وستستمر حال الفوضى السائدة الآن، والتي تتيح لكل ضعاف النفوس استغلالها، إما بالسرقة التي باتت مهنة مربحة، أو بالتجارة البعيدة عن الحلال، أو بطرق أخرى لا نعرفها، ومع كل ذلك نسمع تحذيرات من تحول سوريا إلى دولة فاشلة، ونسأل أليست هي كذلك الآن؟.
سوريا دولة فاشلة؟
[post-views]
نشر في: 4 ديسمبر, 2012: 08:00 م