اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > بادية (الكصير) تتباهى بعذوبة مياه عيونها وأسرار صقورها وذئابها

بادية (الكصير) تتباهى بعذوبة مياه عيونها وأسرار صقورها وذئابها

نشر في: 5 ديسمبر, 2012: 08:00 م

وصلنا مضارب مضيّفنا الشيخ أبو ذياب مع أجمل غروب رأته عيني وعدسة زميلي محمود الذي عبأ رصيد كاميرته بلوحات من فتنة ذلك الغروب المدهش، وكانت غايات الصيادين ليست بما تمنت بنادق صيدهم، وجاءت خراطيش بنادقهم بما لا يسد رمق مائدة العشاء، فسارع أبو ذياب إلى ذبح احد الخراف، لكن الحاج ماجد وعبد الرحمن منعاه من سعادة ضيافته، بعد أن القيا الحجة عليه بالطعام الوفير الذي جلباه معهما، بحيث يملأ مائدتنا ومائدة عائلة أبو ذياب، غطيت الأرض بأنواع البسط والسجاد من بيت الشيخ الذي بالغ بالكرم والترحاب بعد أن عرف بنا من بغداد، ولا اعتقد أن هناك مبالغة بسجايا وتقاليد ذلك الرجل، الممتلئ بملامح ومعالم وأسرار تلك البادية.
نسيت أن أذكر انه على بعد عشرات الأمتار من بيت أبو ذياب، وقفنا على تنكر ماء كان يسحب الماء من بئر خاصة بالماء الصافي، حيث يطلقون عليه أهالي الكصير بالآرو لنقاوته وعذوبته، وهو مصفى تماما بحسب دراسات مختبرية أجريت عليه كما يؤكد الحاج ماجد.
معارك الوهابية وآل ضفير
وما شدني قرب تلك البئر هو وجود نخلة يتيمة وسط تلك الجزيرة، ولا ادري لماذا تذكرت نخلة المطرب سعدي الحلي حين رأيتها، وهو يقول "ذلولي الشوك بأرض الشوك نخله ....ولا ساعة من الحسرات نخله... صرت مثل الاله بالشام نخله.. الثمر للغير واني النار إليه".
بعد كلمات الترحاب جاد علينا لسان أبو ذياب قائلا "إن الحياة في الكصير شبه بدائية ونقضيها برعي الاباعر والأغنام، وكذلك بزراعة الحنطة والشعير، ويتم السقي بواسطة الآبار الارتوازية".
وبشأن المعارك التي حدثت بين الوهابيين وعشائر السماوة والتي كانت منطقة الكصير مسرحا لها يحكي الشيخ "في عام 1948 هاجم الوهابيون قبيلة (آل ضفير) التي كانت تسكن هذه المنطقة وهي الآن موجودة في السعودية والكويت، وسبب الهجوم كما يقول لسلب وسرقة حلالهم وأموالهم، وسبب آخر لكون اغلب عشائر آل ضفير هم من الشيعة واستمرت المعركة لمدة سبعة أيام وتلك المقابر البعيدة عن الكصير هي للوهابية، أما تلك القريبة من الكصير فهي لآل ضفير، مضيفا أن من بنى الكصير وكذلك نكرة السلمان هو القائد البريطاني المعروف بـ(ابو حنيك)، لكونه قائد القوات الانكليزية في البادية، ومنذ ذلك الوقت لم يفكر الوهابيون بمهاجمة بادية السماوة، والقصر القديم الموجود بجانب قصر القائد الانكليزي هو حصن الأبلق، وهذا الحصن يعود إلى فترة سيدنا إبراهيم، وكانت القبائل تحتمي به من غزوات القبائل الأخرى، وهذه التلال تمثل امتداد لشمال الجزيرة العربية،ويوجد في وسط البحيرة ويقصد الأهوار يوجد قصر يعود للآشوريين يسمى (ابوشهرين)، وهو قصر لم يتبق منه غير الأطلال كما هو حال قصر الكصير، وهناك من يقول إن قصر الكصير كان دار استراحة للخليفة العباسي هارون الرشيد.
عذوبة ماء حسيان الكصير
وان لكل بيت في البادية عينا أو بئر ماء خاصة ومسماة باسم صاحب ذلك البيت، وهنا تذكرت موضوعا تحت عنوان (الرحاب ماء العيون ونار القصور) للكاتب حامد فاضل يقول فيه "بينما تخرج عليهم عين (عسيله) متباهية بماء حسيانها العذب، الذي لا يضاهيه في عذوبته إلا ماء (حسيان الكصير) .. أوروك غرة تأريخ سومر، حيث / ولد / ترعرع / عاش / مات / قاتل وحش غابة الأرز كلكامش الذي تدفق من صلب كبير كهنة (كولاب) إلى رحم (ننسون)، لينزلق من بين فخذي البقرة الوحشية على مهد رمل أوروك، فتلقمه حلمات أثداء أمواهها، ليشرب من ماء تلك العيون، التي انبثقت حين أنزوله إلى العالم السفلي من بين فخذي أمه الآلهة، عيون كثيرة سهلة الاستسقاء، لكنها لا تتصف بعذوبة نصوص الملحمة .. عين (حمود) هي ملك (حمود السويط) شيخ الضفير، صيرتها جغرافية البادية بمثابة نقطة دلالة لبقية العيون التي تبعد 30 كم عن أطلال قصر (الكصير) و100 كم عن وادي بصية، عين جارية لا تنتظر من يأتيها، بل تخرج هي إلى استقباله، فتفيض لتسقي الأرض المزروعة من حولها، وكذلك تفعل عين (مانع) التي تبعد عنها 3كم، و(عين فرحان) التي تقع إلى غربها بمسافة 10كم، وعين (دغيم) التي تقع إلى شمالها بمسافة 20كم، وعين (صبر) إلى الشمال الغربي منها بمسافة 40 كم، و(عيون الهيصم) العديدة التي تبعد عنها بمسافة 70كم، وعين (خويسة) إلى انتبذت لها مكاناً غرب عين (حمود) بمسافة 85كم وعين (الدهينة) التي أضافت خمسة كيلومترات أخرى، لتوغل في الغرب 90 كم .. وقد انتبذت عين (صيد) أو (عين العساف) وهم أرومة من أهالي السماوة مكانا غربياَ عن عين (حمود) بمسافة 40 كم".

ضحايا الذئاب والبيبسي الوهمي
وعن تواجد الذئاب وتأثيرها على حياتهم يقول أبو ذياب إن الجميع متأقلم على هذه الحياة ،وهناك أسلاك شائكة تحيط بحيواناتنا وتمنع الذئاب  او الحصيني من الوصول إليها، وهناك العديد من الحوادث التي حصلت في المنطقة ففي منطقة النبعة افترست الذئاب احد الرجال، وفي منطقة أخرى تم افتراس جندي من قبل الذئاب  وهو من أهل الرميثة ولم يعثر عليه الا بعد ثلاثة أيام، مجرد رأس وملابس فقط ، وهناك وجود لحيوان الضبع ، ونحن نسمع تلك الحوادث، فهناك من يرفض  قتل تلك الحيوانات باعتبارها ثروة لكونها حيوانات نادرة، والإنسان هو من يعرض نفسه للخطر باقتحام أماكن وجودها، ويذكر أبو ذياب انه تم افتراس امرأة تخاصمت مع زوجها، بعد أن غادرت الدار إلى بيت أهلها، ولم يعثر الا على ثيابها وبعض عظامها في طريق ذهابها إلى أهلها، وذئاب الرحاب البيضاء معروفة بشراستها سوى بالنهار أو الليل، وعن الأرانب الموجودة في الكصير يقول الصياد صفاء إن لحومها تعد من أطيب لحوم الأرانب في العالم، مؤكدا ان المنطقة تزورها العديد من وفود الخليج سنويا لأنها مرتع خصب للسياحة والصيد، وفيما كانت فناجين القهوة تدار في ليل البادية كنا أنا ومحمود نتناوب بالذهاب إلى سيارتنا، حيث يختفي الويسكي داخل علب البيبسي الذي يزيد من نشوتنا ودهشتنا وسط تلك الأجواء البديعة، وكنا نحتسيها خلسة وخشية من مضيفنا وكذلك من الزملاء الصيادين، الذين اغلبهم من الملتزمين دينيا، ولكني بين الحين والآخر اترك جهاز التسجيل وسط المتحدثين وأناشد علب البيبسي الممزوجة مع الويسكي بصوت الشاعر احمد شوقي:
رمضان ولى هاتها يا ساقي
مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ
الله غفار الذنوب جميعها
إن كان ثم من الذنوب بواقِ
ضحكت إلي من السرور ولم تزل
بنت الكروم كريمة الأعراقِ
حمراء أو صفراء إن كريمها
كالغيد كل مليحة بمذاق
البرد واللجوء إلى المضيف
المهم لم يشعر الجميع  بجريمتنا، خاصة وان الجميع انشغل بواجبات الطبخ، وكذلك أنا شاركت في التقطيع، ومن محاسن الصدف أن يكون زند مشوي لطائر القطا مزة المشروب، ويستمر أبو ذياب في حديثه عن مدينته التي سكنها الآشوريون والسومريون وحضارة العبيد كما يقول. تناولنا الطعام وكذلك القلق من حكايات الذئاب ولكن النجوم هناك غير التي نراها واقسم على ذلك، فتراها وكأنها بمتناول اليد مشعة بصورة ساحرة، وكبيرة جدا ووضوحها مذهل والنظر إليها مغرٍ، ومع ذلك دخلنا مضيف أبو ذياب هربا من البرد الذي تصاعد مع منتصف الليل، وبالفعل ونحن في المضيف لم نجد ملاذا من برودة الجو غير البطانيات، وتسابق الزميلان محمود وعامر موسى الشيخ بالشخير، وما أجمله من شروق للشمس هناك وما ألذه من فطور، حيث خبز التنور الحار والدهن الحر المغمس بالسكر، وكباب حجي ماجد، ومخلمة صفاء لنودع بعدها أبو ذياب باتجاه منطقة الوحشية حيث واحات العيون، لنقيم بها ونأكل ما حصلنا عليه من صيد وفير من القطا، ببنادق عبد الرحمن وحجي ماجد وصفاء وبقية الزملاء، إلا أنا ومحمود فما كنا سوى شاهدين على رحلة عمر، كشفنا فيها أسرار الصحراء والصيادين.

سفرتان في العام لصيادي المحافظات
يقول رئيس جمعية الصيادين إن لنا في كل عام سفرتين إلى البادية، وخلال تلك الرحلتين نقوم بجمع أصدقائنا الصيادين من اغلب المحافظات، من ديالى والموصل والعمارة وبغداد والكوت والعزيزية والبصرة والسليمانية، ويرافقنا كذلك في كلتا السفرتين الشعراء والفنانون، بحيث تتكون القافلة من 14 سيارة أي ما تشكل مخيما كاملا يتكون حوالي من سبع خيام ويكون موقع المخيم في مكان نظيف ومنبسط وسط الجزيرة. ومن الضروري ان يراعى قربه من المناطق التي تتواجد فيه أهدافنا من الطيور، ويكون النهار للصيد والليل نقضيه بالسمر وحكايا وذكريات الأصدقاء، والجلسات الشعرية، وهاتان السفرتان ثابتتان سنويا كما يبين عبد الرحمن وتستمر السفرة لمدة خمسة أيام او أكثر، مضيفا بان هناك رحلات مصغرة خلال السنة تتكون من سيارتين لا أكثر من اجل الصيد أيضا، والعدد لا يتجاوز الأربعة أفراد، وفي كل سيارة جهاز اتصال مع الثانية، والغرض من الجهاز هو الإبلاغ عن أماكن تواجدنا وكذلك اتجاه الطيور لغرض ملاحقتها.
الحباري والصقور
ماجد الوروار يوضح بان أي صياد لا بد أن تكون له معرفة بأمكنة تواجد الطيور وأنواعها، فمثلا لا بد أن يعرف مكان تواجد الحباري او الكطه، مضيفا بان الحباري لا يمكن اصطياده ببنادق الصيد، واذا ما حدث فيعد الأمر صدفة لا أكثر، لان الحباري لا يمكن اصطياده إلا بواسطة الصقر، وأحيانا حتى الصقر لا يقوى على اصطيادها وسبب ذلك كما يقول الوروار إن الحباري عندما تشاهد الصقر تفر مذعورة باتجاه إحدى الحفر أو أي ملاذ آخر، وتقوم بإخفاء رأسها ويبقى ذيلها ظاهرا وحين يقترب منها الصقر تقذفه بالذرق الذي نسميه الربش وذرقها يحمل نفس مواصفات السيكوتين مما تشل حركة الصقر، وبالتالي تفر هاربة منه دون أن يستطيع ملاحقتها، لكن في الجو الصقر يكون أذكى منها فهو إما ان يكون على يمينها أو يسارها او فوقها ولا يكون خلفها أبدا خشية من ذرقها السيكوتيني فيقوم باصطيادها، ولا ننسى بان الصقر في الجو لا يجاريه احد بالسرعة فهو ينطلق ويهجم كالسهم الخاطف.

وزن الصقر وتأثيره في الصيد
الشاعر احمد الكاظم وهو مرافق دائم لرحلات الصياديْن عبد الرحمن وماجد يروي حكاية الصقر الملقب بالجرناص، وكيف استطاع أن ينقض على ظهر احد الحباري ثم ينقلب على ظهره وهو في الجو وعند اقترابه للأرض يعود لوضعه الطبيعي لكي لا يتأثر اثناء نزوله على الأرض ثم يفترسها، مضيفا هذا بالنسبة للصقور المدربة، اما غير المدربة أي الوحشية فأحيانا تترك فريستها إذا كانت ثقيلة، اما الخفيفة فيضمها بين رجليه وذيله ويطير بها إلى مكان آمن، موضحا بان وزن الحباره الواحدة (5/3) كغم ، في حين أن وزن الصقر لا يتجاوز(5/1) كغم، فكلما زاد وزن الصقر قل صيده، لذا يلجأ الصيادون كما يقول الصياد عبد الرحمن الى تقليل الطعام المقدم له، وأحيانا بإجهاده بالطيران حتى لا يتكون او يكبر الشحم في صدره لأنه بذلك سيفقد قدرته وقوته على الطيران أو باستخدام حبوب خاصة معدة لهذا الغرض تتكون من مادة الشنادر الأبيض بكمية قليلة من اجل إضعافه وتوضع مع اللحم المقدم له بقدر حبة الحمص. وعن مضاعفاته وتأثيره في الصقر يؤكد الوروار بأنه بمجرد تناوله يصاب بشلل مؤقت، وبعضها إذا ما عطي جرعة كبيرة قد يتعرض للموت، ولكن الجرعة الصغيرة تموّع الشحوم الموجودة في حويصلته ثم يتقيأ بعد عشر دقائق ويتعرض لأعراض تشبه الشلل المؤقت بعدها يعود إلى حالته الطبيعية.
عملية خداع الصقور
 وبخصوص الصقور الحرة أي غير المروضة كما يقول الشاعر عامر موسى الشيخ وهو من الهاوين لمواكبة رحلات الصيد بأنها تفتقر للشحوم لكونها تكتفي بما تحظى به من صيد، فضلا عن كونها تقضي طيلة نهارها في الطيران على العكس من صقور التربية التي تحصل على طعامها من أصحابها، وعدم ممارستها الطيران إلا في فترات الصيد حيث يستخدمها أصحابها.
وبشان مكافأة الصقر المدجن من صاحبه حين يجلب له غنيمته، اجتمعت آراء جميع الصيادين بان حصته هي القلب والكبد، وطريقة إعطائه الوجبة هي ذبح الفريسة وهي بين مخالبه ومن ثم شق بطن الفريسة وإخراج القلب والكبد وتقديمها له ثم القيام بتغطية ما تبقى منها بالكف الجلدي الخاص بالصياد الذي يحميه من مخالب الصقر أثناء انشغاله بأكل ما قدم له مع إشغاله برأس الحباره وإخفاء الباقي منها، وهي بمثابة عملية خداع له كما يؤكد الصيادون، وبحسب رأيهم أنهم لو قاموا بتقديم الفريسة كاملة له، سوف يكتفي من الطعام ولا يعاود الكرة بالصيد، لذا بقاء الصقر جوعانا يجعل منه يستمر في البحث عن فريسة أخرى من اجل الاكتفاء ذاتيا من الطعام، وهم يروون لي قصة خداع الصقر المدجن تذكرت وبألم كيف تقوم الحكومة العراقية بسرقة جهد المواطن وثروته كما يفعل الصيادون مع الصقور، فقادة البلد الجدد حين يشعرون بسمنة المواطن فرحا وزيادة شحمته ترفا، كيف يدسون مع فتات ما يقدمونه له سموم الأزمات بأعداد وإشكال مختلفة، في حين يحصدون جل ثروته من غير وجه لشريعة أو بند لقانون أو عدالة سماوية أو وضعية، طبعا مع احترامي للفارق الكبير بين تعامل الصيادين البريء مع الصقور والقصد منه جلب المتعة من هواية تمارس مع هذا الحيوان منذ القدم، وبين شجب واستنكار الجميع لتعامل ساسة يتفننون وباحتراف في تجويع وترويع الإنسان بابتكارات جديدة من الأزمات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طقس العراق.. أجواء صحوة وانخفاض في دراجات الحرارة

أسعار صرف الدولار تستقر في بغداد

تنفيذ أوامر قبض بحق موظفين في كهرباء واسط لاختلاسهما مبالغ مالية

إطلاق تطبيق إلكتروني لمتقاعدي العراق

"في 24 ساعة".. حملة كامالا هاريس تجمع 81 مليون دولار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram