الزميل الإعلامي علي الياسي عاد إلى العراق مؤخرا من الولايات المتحدة في زيارة قصيرة ، وخلال وجوده في بغداد قبل التحاقه بعمله في واشنطن مذيعا في راديو سوا ، أخبر زملاءه أنه أثناء زيارته شاهد العجائب والغرائب ، تصلح لأن تكون مادة كتاب بعنوان " رحلة الياسي في بلد المآسي" ،فعند وصوله إلى المطار دخل بمشادة كلامية مع رجال الأمن احتجاجا على مطالبتهم بتقديم بطاقة سكنه في العاصمة بغداد ـ لإثبات حقيقة أنه عراقي ولم ينفعه جواز سفره الصادر من مديرية الجوازات في إثبات عراقيته المتمسك بها حتى هذه اللحظة ، وبتدخل الخيرين وعبر اتصالات هاتفية أجراها زملاؤه مع المسؤولين ، سمح له بالدخول ، وكان ذلك الحادث الصفحة هو الأولى في ملف خيبة مريرة لازمته طيلة أسبوعين ، عبر عنها بالقول بأنه فشل في تركيب ووضع الفيشة في مكانها الصحيح ليحقق تأقلمه الشخصي مع الوضع العراقي .
خرج الياسي بانطباع عام على الرغم من أنه على مساس يومي مع الاحداث العراقية لطبيعة عمله ، ويتلخص انطباعه بأن فرص التقدم مستحيلة وعلى المستويات كافة ، وخاصة في القطاع الخدمي ، فالأمور في العراق بحسب وصفه مثل التيار الكهربائي المتذبذب ، أضراره أكثر من منافعه ، والمصيبة بنظره أن العراقيين فقدوا الأمل في إصلاح الحال ، وليس أمامهم سوى انتظار رحمة الله للتخلص من معاناتهم.
الحكومة في أكثر من مناسبة دعت العراقيين المقيمين في الخراج منذ عشرات السنين من أصحاب الكفاءات للعودة إلى بلدهم ، وأكدت أنها على استعداد لتوفير كل سبل توفير فرص العمل للإفادة من قدراتهم ، والدعوة أيضا شملت المستثمرين ورجال الأعمال ، وواقع الحال أثبت أن الاستجابة كانت قليلة وربما معدومة ، لأن توفير بطاقة السكن وتقديمها أمام السلطات في المطار يعد أمرا مستحيلا ، وهذا الأسلوب في التعامل يشبه السؤال عن زوجة البغل، عندما يتعرض المتورط بالعودة إلى الوطن لأسئلة تتعلق بالمستمسكات الأربعة:الجنسية وشهادتها ، وبطاقتي السكن ، والتموينية ، والعراقي المغترب هجر من وطنه في عقد السبعينات لعدم امتلاكه شهادة الجنسية ، كغيره من مئات الألوف وربما أكثر تعرضوا لهجرة قسرية بفعل سياسة النظام السابق ، واليوم يطلب منهم تقديم بطاقة السكن ، وصحة الصدور للسماح لهم بمغادرة قاعة المطار والوصول سالما غانما إلى ساحة عباس بن فرناس ثم التوجه إلى مكان يؤويه لحين ترتيب أوضاع السكن ، والدخول في سلسلة طويلة من مراجعة الدوائر الرسمية .
زيارة الزميل الياسي ، جعلته يعيد النظر برؤيته المتفائلة حول إمكانية استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في بلد المآسي وخرج بنتيجة واحدة، تتلخص بأن التذبذب العراقي سببه الفشل في وضع " الفيشة" في مكانها المناسب" لكي تزدهر العيشة" وهذه الفرضية لا يوجد بصيص أمل لتحقيقها ، لأن هناك من يصر على معرفة" زوجة البغل " .
تركيب الفيشة
[post-views]
نشر في: 5 ديسمبر, 2012: 08:00 م