بلادتنا نحن العراقيين لم تعد تُحتمل، ولا استطيع أن امنع نفسي من هجائها، لا استطيع أن أمنع نفسي من هجاء شعب بلغت برودته حدّاً أغرى أغلب مسؤوليه بسرقته في وضح النهار وبتحدٍ مستفز، بل بلغت حدّ السكوت عن عمليات تهريب قاتليه أمام عينيه. شعب ليس لبلادته حد، شعب لا يتحرك إلا عندما يسوقه القادة والأسياد، شعب لا يخاف على حريته، ولا يذود عن كرامته، ولا ينتفض عندما تسلب حقوقه، ولا عندما تسرق أمواله!
فاجأني اليمنيون بثورة نسائية بامتياز، وقد حَضَرَت المرأة اليمنية في ربيع بلدها بشكل لافت ومفاجئ، الأمر الذي كشف جهلي بهذا الشعب.. وفاجأني المصريون بوقوفهم عند حد السلام، وصمودهم الذكي أمام جميع محاولات مبارك جرهم لميدان الصِدام، ويفاجئونني يومياً بفصول ملحمة مذهلة في الدفاع عن الحرية. الأمر الذي كشف جهلي الكبير بهم.. وكنت أنتظر من الليبيين عمليات "حواسم" لا تبقي ولا تذر، أو معارك قبلية تحرق الأخضر واليابس.. كنت أنتظر من البحرينيين أن يفقدوا صبرهم إزاء تجاهل المجتمع الدولي لثورتهم المسالمة. لكن يبدو أنني أجهل الكثير عن الشعوب العربية. وأكثر شعب كنت ولم أزل أجهل كل شيء عنه هو الشعب العراقي، الذي لم يترك له سادته أي حق إلا سلبوه، ولا كرامة إلا انتهكوها ولا مال إلا سرقوه ولا حرية إلا وهم ساعون بجهد وراء تقييدها، ومع ذلك تشعر أنه نائم بواد وضيمه وقهره وجوعه وعريه، بواد آخر!.
ماذا فعل مرسي ليستحق زحف الآلاف التي حاصرت قصره؟ لقد حاول أن يثلم ثلمة صغيرة في استقلال القضاء، وهو قضاء تدور حوله شبهات حقيقية، فهو ذاته السلك الذي غطى على جرائم مبارك، وكان للشكوك التي رفعها مرسي بوجه القضاة الذين برأوا المتهمين بواقعة الجمل أن تستغفل شعباً يشبهنا، فقد استَغْفَلَنا ساستنا بشعرات أقلَ إقناعاً، وهرولنا خلفهم مدججين بالسلاح. لكنها حيلة لم تخدع المصريين. أبداً لم يستطع الاخوان المسلمون أن يستغفلوهم، ولا أن يخيفوهم.
لا تقولوا لي بأن التعدد في العراق يجعله مختلفاً، وأن أغلبيته ساكتة خوفاً على مكاسبها، فهذه خرقة بالية نحاول أن نغطي بها على عرينا المخجل.. على فضيحتنا بين الشعوب. نغطي بها على حروب (إيران والكويت والانفال) التي ساقنا فيها كالقطيع، راعٍ أهوج يبحث عن طواحيناً يحاربها. أو نغطي بها على فضيحة الحواسم، أو فضيحة اقتتالنا الطائفي، أو نغطي بها على خزي تياراتنا العلمانية والديمقراطية المشلولة والخائفة حتى من التصريح بأفكارها والدفاع عن ثوابتها.. يا إلهي ما أكثر فضائحنا.. بالمناسبة لا يحدثني أحد عن "الانتفاضة" الشعبانية، لأنني لا أريد أن اكشف الستر عن روائحها.
جميع التعليقات 11
ams
اللغة جدا فقيرة.. تحياتي..
حيدر داود حمدالله
أشاركك الرأي بكل ما كتبته يا أستاذ سعدون وأضيف الى ذلك تميز شعبنا بصفة أخرى وهي اللامبالاة من جهة والتعمد في الإضرار بالمال العام والابتعاد عن النظافة و و و
سامي الحاج
السلام عليكم حبذا لو حدثتنا عن الانتفاضة (الشعبانية) الربيعية لأنك جعلتنا في شوق الى ما تفكر فيه
ابو فهد
لست من قراء الاخ سعدون كئيرا ولكن مقاله الرائع هذا قد احدث بي شيئا كبيرا لا ادري لماذا ولكن هذا الشاب قد اصابها. تعم لقد اصاب كبد الحفيفة ولكن ماذا بعد.
raed albustany
التفكير جديا بازاحة الهوان المخيم على الناس وهذا مسؤولية كل الواعين والمثقفين...غير ان الموضوع يحتاج الى مخاطرة وتضحيه؛والجميع يظهرون غير ما يبطنون.
احسان السوداني
المشكله هؤلاء السياسيون تسابقوا بخطاباتهم ليوهموا الشعب بأمور لازلنا نصدقها .. لا بل نلح ونصر عليها فمنهم من اوصل لطائفته بأن هناك مد صفوي يريد أن يقضي عليهم وسوف لايرحمون بهم فأما ان نعود او لانعود أو أما كل شيء أو لا شيء.. اما القسم الآخر فقد اتخذوا من
اكرم
للاسف اصبحنا حقا نخجل من انفسنا امام الشعب المصري لمايقدم لنا من دروس في الثوريه السلميه .. انا ممتن لك اخ سعدون
علي علي النوري
شكرا لكَ سيدي سعدون وأثني على ممقالتك الرائعة التي تهمس في آذان صاغية إننا بحاجة الى أن نولد حياة جديدة بعيدة جدا من مآثر الموت التي تركها لنا أجدادنا وأبائنا بسبب معاناتهم التي لم تجد الحل بقدر ماتجد الجسامة في الخطر التي دفعت بهم لولادة أجادادهم أو أبائ
علي الفهداوي
فعلا مقال جدا رائع واكثر من رائع ويستحق كل احترام وتفدير
د.عباس الشمري
حقيقه مؤلمه.احيي شجاعتك وقلمك الشريف
سيف
الحقيقه المره... لكن... اختلف معك بموضوع ساقنا فيها كالقطيع بالله عليك اين كان قلمك حين سيق القطيع؟! رائحه الموت والمقابر وقسوه الظلم والظلام في السجون المتعفنه لعقود من الزمن حفرت جرحها في اساس المجتمع والفئه المجرمه التي اباحت كل حرام هي من ساقت العرا