أمس الأول كان عاصفاً نوعاً ما ومطيراً في بيروت، لكن العاصمة اللبنانية، بخلاف بغداد، تغدو أجمل بعد المطر، وهي هذه الايام تسرّ من يراها أكثر من ذي قبل فقد تجمّلت على نحو بهيّ من أجل أعياد الميلاد ورأس السنة.
مع هذا فان أهل بيروت متبرمون لأن مدينتهم تزدحم بالسيارات في ساعات الذروة خصوصاً، ولأن الأحداث السورية المريرة قد أصابتها في مقتل، مؤذية كثيراً نشاطها التجاري والسياحي الذي تتنفس به وتأكل منه.
وإذ يجتمع اللبناني والعراقي في بيروت تندفع على المائدة الهموم، وإذ يهوّن العراقي كثيراً من همّ صديقه اللبناني لافتاً الى محنته، يردّ اللبناني: أنتم مجانين.
لا فُضّ فوك .. فعلاً نحن مجانين إذ نترك بلدنا ومدننا وحياتنا ومصيرنا ومستقبلنا لعصبة من سياسيين شاطرة فقط في الهدر .. هدر الوقت وهدر المال وهدر الكفاءات وهدر الفرص .. عصبة يتدفق عليها المال أكثر مما يهطل المطر في بيروت هذه الأيام، ومع هذا فان ما يتحقق على ايديها هو خطوتان الى الوراء ولا خطوة الى الأمام.
إحدى الصحف البيروتية ذكرت أمس بغداد مستخدمة تعبير "تذيّلت"، عند تقديمها الخبر الذي بثته وكالة رويترز عن نتائج المسح العالمي لمجموعة "ميرسر" للاستشارات حول مؤشر جودة الحياة المعيشية في مدن العالم خلال العام الحالي. فقد جاءت عاصمتنا في هذا المسح في الترتيب الأخير، أي انها المدينة الأسوأ في العالم في ما يتعلق بالمعيشة، وبكلمة أخرى انها لا تصلح للعيش الآدمي(العاصمة النمساوية فيينا جاءت في الترتيب الأول للعام الرابع على التوالي).
الصحيفة البيروتية قالت ان بغداد "تذيلت قائمة المدن" في مؤشر جودة الحياة. هنيئا لحكامنا باللقب الجديد لعاصمتهم، "المدينة الذيل"، بعدما اشتهرت بمدينة السلام ودار السلام وعاصمة الرشيد.
لماذا تتدهور بغداد الى هذا الدرك بعد عشر سنوات من الخلاص من نظام صدام الذي كنّا نظن ان مجرد سقوطه سيعيد بغداد الى سابق عزها ومجدها وجمالها وبهائها؟ ولماذا تحتفظ فيينا بالمركز الاول العام بعد الآخر؟ هل المال هو السر؟
السر ليس في المال، فالنمسا لا تنهمر عليها مئات مليارات الدولارات من عائدات النفط. السر يكمن في ان حكام فيينا يحبون عاصمتهم وبلادهم بخلاف حكامنا الذين يمقتون بغداد والعراق. صدام كان من هذا النوع وخلفاؤه جميعاً من هذا النوع أيضاً، بمن فيهم الممسكون بدست السلطة وصولجان الحكم الآن داخل المنطقة الخضراء وخارجها.
لو كانوا يحبون بغداد والعراق والشعب العراقي ما أهدروا عشر سنوات بالتمام والكمال و600 مليار دولار وأكثر في نزاعاتهم وصراعاتهم ومنافساتهم وسرقاتهم، ومازالوا على اصرارهم وعنادهم!
غداة اعلان الأمم المتحدة ان بغداد تأتي في الترتيب الثالث بين العواصم الأسوأ في العالم على مستوى الخدمات والنظافة العامة، أطلقت مجموعة شباب بغداديين في أيلول الماضي حملة «معاً لنخسر السباق» للقضاء على ظاهرة انتشار النفايات في شوارع العاصمة، وهي حركة انطوت على احتجاج على سلبية الحكومة حيال الوضع في العاصمة.
المبادرة ضاعت وسط هذا الخراب الاسطوري الذي يلفّ مدننا وحياتنا، فليس في وسع مجموعة من شباب غيارى متحمسين أن يفعلوا شيئا لبغداد مادامت مبتلاة بمحنة كبيرة هي ان حكامها لا يحبونها.
جميع التعليقات 1
Ankido
بسطال الزعيم الخالد الشهيد عبد الكريم قاسم أبو الفقراء رمز النزاهة والعدالة هو أشرف من عمائم لصوص وتكارتت العراق الجدد أصحاب الدرجات الخاصة والشهادات المزورة والجوازات الدبلوماسية والمشاريع الوهمية ورثة العفالقة الانجاس هم وعوائلهم وأحزابهم وأبواقهم الاعل