يقول مسؤولون أمريكيون منذ أشهر إن أيام الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة معدودة، وقتاله حتى الموت يبدو نتيجة أكثر قبولا لمذبحة الحرب الأهلية السورية التي تقترب من عامها الثاني. لكن فكرة اللجوء الى بلد آخر هو الخيار الذي بدأ يظهر أيضا في تساؤلات حول مصير الأسد، الذي يعكر صفوه تعقيدات رحلة ناجحة من سوريا، ويقلل آمال الأسد في مخرج آمن وسهل. ويوم الأربعاء، ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية السوري، سافر مؤخرا إلى كوبا وفنزويلا والإكوادور حاملا رسائل شخصية من الأسد، من أجل النظر في إمكانية اللجوء السياسي له ولعائلته إذا ما أجبر على مغادرة دمشق.
ولكن ليس هناك مؤشر على أن الأسد مستعد للتخلي عن سلطاته بعد، وفقا لمصادر متعددة في الولايات المتحدة، وأوروبا، والعالم العربي، بينما أكد المسؤولون الأميركيون مرارا أن مصير الأسد هو في يديه.
وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون للصحفيين أثناء السفر إلى مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسل يوم الأربعاء، إن مصير الأسد يتطلب منه "اتخاذ القرار للمشاركة في الانتقال السياسي، وإنهاء العنف ضد شعبه".
وأضافت قائلة: "نأمل أن يفعل ذلك لأننا نعتقد، كما تعلمون، أن سقوطه أمر لا مفر منه".
ومسألة ما إذا كان الأسد يسعى للعثور على ملجأ ليست مهمة بالنسبة للولايات المتحدة، بقدر ما هي مسؤوليات الحكومة المقبلة التي ستتأكد من محاسبته على أفعال نظامه.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند الشهر الماضي "إن عددا من البلدان قد عرض" اللجوء على الأسد، لكنها رفضت تسمية أي من تلك البلدان، مضيفة: "نريده خارج سوريا حتى نتمكن من المضي قدما.. ومع ذلك، فإننا نؤيد أيضا محاسبته، هو ومن تلطخت أيديهم بالدماء".
واحتمال المحاسبة ذلك، هو بالتأكيد ما يجعل دول أمريكا اللاتينية وجهة جذابة للأسد.
ففي حين أن كوبا وفنزويلا تبوحان علنا بمعاداتهما للولايات المتحدة والسياسيات الغربية على مر السنين، فقد أظهرت حكومة الإكوادور اليسارية مقاومتها لسياسات الولايات المتحدة أيضا، ويمكن أن تتردد في تسليم الأسد لمحاكمته.
والإكوادور حاليا تمنح اللجوء لمؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانج في سفارتها في بريطانيا، لمساعدته في جهوده لمنع تسليمه إلى السويد.
لكن تساؤلات بشأن استمرار الأنظمة في تلك البلدان قد تجعل الأسد مترددا، وفقا لبعض المحللين.
ويقول سكوت هورتون، خبير القانون الدولي في جامعة كولومبيا لشبكة CNN إن "الإكوادور وفنزويلا وكوبا بلدان يمكن أن يشعر فيها الأسد بالأمان في الوقت الحالي لكنه يجب أن يكون قلقا بشأن تحول الرياح في أي من تلك الدول أيضا".
وأضاف: "بالتأكيد لا أحد يتوقع أن تستمر الأنظمة في تلك الدول لأجل غير مسمى".
أما المملكة العربية السعودية، التي لديها تاريخ من إيواء الحكام المستبدين مثل الأوغندي عيدي أمين، والرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، فليس من المرجح أن تظهر في حسابات الأسد، إذ أن الرياض حاليا تساعد في تسليح جماعات المعارضة الساعية للإطاحة به.
ويقول كثير من المحللين الذين يتابعون الوضع، إن إيران قطعت أشواطا طويلة للحفاظ على وجود نظام الأسد في السلطة، ومن المرجح أن تكون الأكثر ترحيبا للأسد إذا أراد أن يغادر سوريا.
وقال أندرو تابلر، وهو مراقب لوضع سوريا، وعاش سنوات فيها، إن "الرئيس الأسد يمكن أن يذهب إلى أماكن متعددة في جميع أنحاء العالم.. والسؤال هو كم من الوقت يمكنه البقاء على قيد الحياة هناك؟ كم من الوقت يستطيع أن يعيش حقا آمنا قبل أن يلاحقه أحد".
وبالنظر إلى أن الأسد حليف إيران الرئيسي في العالم العربي، وبلاده ممر لحزب الله الشيعي في لبنان، فمن المحتمل أن لا يكون لإيران الكثير من الاهتمام في شخص الأسد إذا ترك السلطة، خصوصا مع استمرار انفلات أجزاء كبيرة من سوريا من قبضته.
أما روسيا، التي دعمت الأسد لفترة طويلة، وتعارض الجهود الدولية للإطاحة به من السلطة، فقد ذكرت باعتبارها وجهة أخرى ممكنة للأسد، ولكن ذلك أيضا، قد يكون خيارا متناقصا.
ويقول تابلر: "أعتقد أن الروس في هذه اللحظة يدركون أنه سينبغي عليهم التعامل مع سوريا الجديدة.. سيكون من الصعب التعامل مع سوريا الجديدة عندما يتم إيواء الرئيس السابق".
وفي حين تقدم بلدان عروضا غير رسمية للجوء أمام الأسد، لا تزال الولايات المتحدة مستمرة في التعبير عن ما تعتقد أنه مسؤوليته تلك البلدان في التأكد من أن تتم معالجة قضايا محاسبة الأسد داخل سوريا.
وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية مارك تونر للصحفيين يوم الأربعاء: "لقد كنا واضحين تماما في السر والعلن،" بشأن رحيل الأسد.
لكن رحيل الأسد المحتمل، الذي قد يكون محل ترحيب كثيرين في المجتمع الدولي، يمكن أن يفتح الباب أمام مزيد من عدم الاستقرار حتى في البلاد.
فالمعارضة تغلب عليها الطائفة السنية، في نظام الأقلية العلوية الذي نفذ شهورا طويلة من الضربات الجوية والمدفعية على المدنيين، ويقول محللون إن رحيله من شأنه أن يعجل على الأرجح سيناريو القتل الانتقامي في جميع أنحاء البلاد على نطاق أوسع من ذلك بكثير.
ويقول مسؤولون أمريكيون إنهم كانوا يخططون منذ فترة طويلة لـ"يوم ما بعد الأسد،" مثل تدريب القوات الأردنية لتوفير الأمن، لكن في الوقت الراهن، يأملون فقط في أن تبقي سوريا الأسلحة الكيميائية في المخازن.
وفي النهاية، لا يزال ينظر للأسد بأنه يحصل على دعم كبير من طائفته العلوية، ومن الحكومة الإيرانية، ومع هذا الدعم فإن القدرة على البقاء والقتال حتى النهاية واردة.
يقول تابلر: "السؤال هو: هل ستقرر طائفته أن الرئيس الأسد يجب أن يغادر كجزء من أي مرحلة انتقالية في البلاد؟ أعتقد أن هناك فرصة حقيقية له أن ينتمي إلى طائفته، لكن هل تريد طائفته أن تنتمي له؟".
من جانب اخر قال مسؤول أمريكي إن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وافقت على دعوة المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي، للانضمام إلى اجتماع ثلاثي بشأن سوريا.
وقال المسؤول الرفيع في وزارة الخارجية الأمريكية، صباح الخميس، إن الاجتماع سيحضره أيضا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
ومن المتوقع أن تلتقي كلينتون، الموجودة حاليا في دبلن من أجل مؤتمر للأمن الدولي، مع لافروف لإجراء محادثات ثنائية.
ويأتي الاجتماع بعد قلق دولي بشأن مخزون الأسلحة الكيماوية في سوريا.
وقال الامين العام لحلف شمال الأطلسي اندريس راسموسن "إن مخزونات الأسلحة الكيميائية السورية هي مسألة تثير قلقا كبيرا،" مرددا تحذيرا صدر عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
وأضاف راسموسن: "نحن نعلم أن سوريا تمتلك صواريخ، ونحن نعلم لديهم الأسلحة الكيميائية، وبطبيعة الحال، سيتم تضمينها في حساباتنا."
وتابع القول: "اسمحوا لي أن أضيف أن إمكانية استخدام الأسلحة الكيميائية لن تكون مقبولة تماما بالنسبة للعالم بأسره، وإذا لجأ النظام لأحد هذه الأسلحة الرهيبة فأتوقع رد فعل فوري من المجتمع الدولي".