تبدو الكتابة عن فصول رواية من مسرح العبث أقل تعقيدا و ضبابية من نُذُر الشر التي تهدد المشهد المصري.. إذ دخلت مصر-كما لم يحدث عبر تاريخها الحديث- نفق الانقسام الحاد بين الإسلام السياسي في مواجهة جميع التيارات السياسية وتطل نُذُر حرب أهلية قررت جماعة الإخوان المسلمين إشعالها على يد مندوبها في الرئاسة محمد مرسي .. انقسم الكيان المصري إلى كتلة جماعة الإخوان والتيارات السلفية التي قررت الدخول في صراع دموي عنيف مع أقوى المؤسسات النقابية تحديدا :القضاء ,المحامين, و الصحافة و الإعلام..بالإضافة إلى كل القوى السياسية المدنية التي تنبهت مؤخرا إلى أخطائها السابقة , فتوحدت في كتلة"جبهة الإنقاذ الوطني". مستقبل هذا الانقسام يسير نحو التصاعد المخيف بعد اقترابه من نقطة اللاعودة على الصعيد السياسي ,إذ كشرت الجماعة عن أنياب منهجها التاريخي في المغالبة و الاستئثار بحكم مصر و هو ما دفع مرسي إلى معالجة أخطائه السابقة بأخطاء جديدة.. بداية من الإعلان الدستوري الذي بضع في قبضة "مرسي- الاخوان" السلطات الثلاثة.. التنفيذية, التشريعية,و القضائية, إلى كارثة أخرى هي الدستور سابق التجهيز في مطابخ الإخوان, و الذي تمت صياغته تمثيليا داخل لجنة انسحبت منها كل القوى غير المنتمية إلى معسكر مرسي و جماعته.. ثم دعا المصريين إلى الاستفتاء على الدستور المشبوه منتصف هذا الشهر .. رغم إعلان القضاء رفضه الإشراف على هذا الاستفتاء, لكن مرسي يظهر في خطاباته العلنية ما زال أسيراً لفكر و ممارسات الجماعة.. لا يُدرك أن الاستجابة لمتطلبات موقعه الرئاسي تفرض عليه خطاباً يرتقي بمستواه إلى من يمتلك رؤية سياسية مستقلة عن إملاءات الجماعة .. لكنه حاليا يبدو أقرب إلى شيخ أو إمام جامع.. هو بدلا من فهم و معالجة ما يواجه مصر من أخطار.. يُصر على تكرار تعبيرات ساذجة لقنه إياها مرشده.
الخطة الجهنمية التي طبخت في مقر جماعة الإخوان تضع المواطن المصري أمام قدر الموت بينما تمنحه حق اختيار أحد السلاحين.. إما الرضوخ للإعلان الدستوري الذي يُحيل مرسي إلى "إله" بيده كل السلطات على أن يلغي هذا الإعلان- كما يزعم- بعد موافقة الشعب على الدستور المشبوه و إجراء انتخابات برلمانية "معروفة النتيجة مُسبقا".. أو رفض الشعب للدستور و يبقى مرسي نموذجا جديدا للفرعون المُلتحي هذه المرة و يحظى بشرف لقب "الملك مرسي مُمزِّق القطرين" بعد أن عرفت مصر منذ آلاف السنين "الملك مينا موحِّد القطرين"!!
حتى تُحكم خيوط الجريمة..شن الإخوان حربهم الشرسة ضد جبهتي القضاء والمحامين التي توحدت في موقف رافض لمخطط الجماعة في إلغاء استقلالية القضاء المصري ,واعتصامات بين أفراد هذه النقابات ..و مازالت خيارات التصعيد مفتوحة. الإعلام- سواء كان مقروءاً أو مرئياً- يعيش على خبز الحرية.. مما لا يتفق مع مبدأ الجماعة من فروض السمع و الطاعة و إحناء الرؤوس و تقبيل الأيدي.. لذا تأخذ حرب الجماعة ضد كافة وسائل الإعلام طابع حروب "دون كيشوت" العبثية.. إذ يهرول قادة الجماعة و مريديها إلى الظهور على شاشات هذه الفضائيات ..و يطلقون-في الوقت ذاته- أقذر الشتائم و السباب على كل وسائل الإعلام الخاصة, و تهددها بالملاحقات القانونية.. حتى أن وزير الإعلام"الإخواني" حاول إغلاق بعض القنوات و فشل أمام تصدي القضاء له.. لأن هذه القنوات و الصحف ارتكبت "ذنوب و معاصي" حرية التعبير و كشف أخطاء و مخططات النظام الإخواني الحالي , بينما نجح الإخوان في هدم أركان المؤسسات الصحفية الرسمية و استبدال كل قياداتها بكُتّاب من جماعتهم و استبعاد كل كبار الكتّاب من أصحاب التوجه الليبرالي.. و قد جرت من بعض موظفي الإخوان في الصحافة محاولة خائبة لإفساد الجمعية العمومية الأخيرة التي عقدتها نقابة الصحفيين مؤخرا اعتراضا على إعلانات مرسي الدستورية و على الدستور المشبوه.. لكن المحاولة فشلت أمام وحدة الموقف الصحفي.
النهج الإخواني عودنا على أن يختار من دولاب ملابسه الزي الذي يلائم "المصلحة".. يظهر الآن مرتديا حجة الديمقراطية- بعد أن أشبعوها تكفيرا- وفقا لنتائج صناديق الانتخابات التي تمثل اختيار الشارع المصري.. و هي حجة ظهرت حقيقتها الهزيلة أمام كاميرات وكالات الأنباء العالمية ..عند كل استفتاء , تقوم الجماعة بتحشيد البسطاء من القرى و المحافظات بنفس وسائل الإغراء المادي- متطلبات الحياة من أغذية و نقود- و المعنوي – التهديد أن من يخالف رأيهم كافر مصيره نار جهنم و من يتفق معهم مأواه جنة الخُلد . بعيدا عن نظرية المؤامرة.. تطرح ملامح ألغام المشهد المصري تساؤلاً تفرضه الوقائع.. بعد أن أصبحت أميركا الحليف الجديد للإخوان مقابل السكوت على خدمات للأمن الإسرائيلي لا أحد يعرفها بدقة.. وعن مدى استغلال أميركا للإخوان في تنفيذ عملية تقسيم و تفتيت الكيان المصري.. تساؤلاً يدعمه تغاضي الدوائر الرسمية الأميركية عن تبني أي موقف محدد من الاحداث –خلافا لعادتها- و لو حتى توضيح كيفية تعامل أميركا و دول الاتحاد الأوروبي و باقي دول أوروبا مع مصر في وضع دستوري و شرعية هناك تشكيك عالمي في مصداقيتهما.
كاتبة عراقية مقيمة بالقاهرة
أنت إما"إخواني"..أو"شيطاني"
[post-views]
نشر في: 7 ديسمبر, 2012: 08:00 م