تحدثنا وكتبنا كثيراً عن سوء المعاملة والإهانة التي يتعرض لها المواطن العراقي، في مطارات دول وبلدان عدة، وبالأخص العربية والإقليمية منها، أو دول الجوار مثلما تعرف وتعرف. الأمر الذي بات يشكل هم وقلق لكل عراقي يود السفر لأجل العلاج أو الاستجمام أو العمل، بدءاً من الحصول على الفيزا وتأشيرة الدخول، مروراً بتذكرة الطائرة والانتظار لساعات طويلة في المطارات، ولا تنتهي بافتراش أرضية المطار والنوم، وهذا ما حصل ويحصل دائما مع الفرق الرياضية العراقية التي تشارك في الدورات والبطولات الرياضية، مثلما يحدث الأمر مع الوفود الفنية والأدبية المدعوة للمشاركة في المؤتمرات والمهرجانات. الخ من إجراءات البعض ،منها شكلي، لا يهدف إلا لتجريح العراقي وانتهاك كرامته بشكل سافر. ومع كثرة الكتابة عن هذا الأمر والمناداة والمطالبة بمعالجته، إلا أن أحد لا يسمع ولا يبصر من قبل الجهات والوزارات المعنية بهذا الشأن. لكن هل هذا يعني أن العراقي معزز مكرم في بلده؟
لو تحدثنا عن وضع العراقي في الداخل وكرامته اليومية، فانتهاك الكرامة والإهانة تبدأ لحظة خروجه من البيت، أوساخ وانسداد مجاري الصرف الصحي وطفحها المستمر، فيضان الشوارع مع أول زخات المطر. انتهاك آخر وإهانة في كراجات النقل العام والسيارات الكيا وغيرها، التي لا تصلح للاستخدام اليومي والتنقل، لتكتمل الإهانة بما يفرض عليك سماعه من المذياع. الإهانة التالية والانتهاك اليومي يأتي من مواكب المسؤولين وأبواق سياراتهم وصرخات حمايتهم بضرورة فتح السير لتكتمل في السيطرة والطابور الطويل من السيارات المتوقف، حسب مزاج ورغبة شرطي ربما لا يجيد الكتابة والقراءة، أو يريد قضاء الوقت والواجب المكلف به. أو نزولاً عند رغبة الضابط المسؤول. ومع أي مراجعة لدائرة خدمية أو لتمشية أي معاملة تأتي الإهانة والانتهاك من موظف الاستعلامات ويتبعه الموظف المسؤول وهكذا، حتى تنتهي المعاملة بعد أيام وربما أسابيع بتوقيع السيد المدير. حينها يكون المراجع قد تشبع بالإهانات والانتهاكات سواء بالانتظار أو التأجيل أو الابتزاز وغيرها من وسائل دنيئة يلجأ له البعض من الموظفين، الذين يتعرضون يوما لجزء من الإهانات يتم تعويضها بإهانة الآخرين.والأمر يشمل المستشفيات العامة والعيادات الشعبية والمراكز الصحية، التي بات من ضرورة مراجعتها ترك الكرامة في الباب والدخول من ثم استعادتها لحظة الخروج، لما موجود ومتداول من تصرفات عند بعض العاملين، لا تنم عن حس إنساني وأخلاقي. والأمر يشمل العيادات والمستشفيات الخاصة أيضا. كذلك الحال في المدارس ،فالطالب يتعرض للإهانة والتجاوز من قبل المعلم أو المدرس أو المدير، في ذات الوقت الطالب يهين معلمه أو مدرسه أو مدير المدرسة، خصوصا إذا كان من أبناء المسؤولين أو من عمل معهم. والحال ذاته في أي دائرة أو مؤسسة مدنية أو عسكرية ،حيث يكون معيار الاحترام والتقدير الانتماء السياسي والمذهبي والمناطقي. نهانُ يوميا وتنتهك كرامتنا من تصريحات وخطابات الساسة وخلافاتهم وفضائحهم وغرائبهم التي لا تنتهي، مثلما نهان من تصريحات نواب البرلمان والوزراء والمحافظين وأعضاء المجالس البلدية، بضرورة تقديم الخدمات للمواطنين، ونهان من جلسات مجلس النواب المرفوعة والمؤجلة لعدم اكتمال النصاب القانوني، لسفر النواب الدائم. ونهان حين تؤجل عشرات القوانين التي تهم المواطن، ويبقى العمل بقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل. ونهان من قادة العمليات العسكرية والناطقين بأسماء الوزارات الأمنية وهم يصرحون باستتباب الأمن والقبض على العشرات من الإرهابيين يوميا. ومن القضاء والمحاكم وقرارتهما التي تطلق سراح البعض وخاصة من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين، ونهان حين يتم احتجاز الأبرياء منهم من دون أدلة كافية. ونهان من أرقام ضحايا التفجيرات التي تحصل يوميا، وهي تودي بحياة العشرات، ويعلن عن أربعة أو خمسة، نهان من عرض سير وحياة وتاريخ أشخاص يتربعون على كراسي وزارات ومؤسسات الدولة ويتقاضون مرتبات عالية ويتمتعون بامتيازات عدة، وهم في ذات الوقت يتقاضون مرتبات الرعايا الاجتماعية في بلدان المهجر. نهان وتنتهك كرامتنا حين يعود ضباط ومنتسبو الأجهزة الأمنية والقمعية بالنظام المباد إلى الأجهزة الأمنية الجديدة بشكل طائفي ومناطقي، ونهان حين يتم دمج المئات ممن لا يفقهون شيئا في المنظومة الأمنية والعسكرية ويتسلمون مناصب ومراكز أمنية حساسة.
كما تنتهك كرامتنا ونهان من فضح ملفات الفساد الإداري والمالي التي باتت تزكم الأنوف، ونهان من تحريضات وسائل الإعلام المختلفة، وتلاعبها غير الإنساني ببعض المفردات والأخبار. ونهان من برامجهم السياسية، وتحليلات وتنبؤات وجوه وأسماء تحمل صفة الخبير القانوني والمحلل السياسي مجانا وجزافا. نهان من أرقام الموازنة العامة الترليونية، ومن مبالغ بيع وتصدير النفط الشهرية مليارية الدولار، وثلث أبناء الوطن تحت خط الفقر. نهان من أرقام مرتبات الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب والمدراء والدرجات الخاصة، مثلما نهان من أرقام مرتبات المتقاعدين والعمال. نهان يوميا من وجود أناس على رأس مؤسسات ودوائر الدولة وأقسامها، لا يعون فيها شيئا ولا يعلمون. نهانُ من التلاعب بمصائرنا وأقدارنا من قبل أفراد وأشخاص، يشك في عقولهم وسلوكهم وتاريخهم. نهان من الدين الذي قسّمنا طوائف ومذاهب ومللاً، تختلف في تحدي رؤية الهلال وثبوته وإعلان العيد ، وتتقاتل بشأن الأسماء والألقاب. نهان من شركات الهاتف النقال وهي ترسل رسائل المسابقات والفوز بالملايين المنتظرة، كما نهان حين نستغفل وتسرق تلك الشركات من الرصيد. ونهان من قبل شركات الحماية الأجنبية وهي تقطع شوارعنا مثلما تريد.
ويستمر مسلسل الإهانات والانتهاكات التي لا تنتهي ولا تتوقف عند حد، وكأنها مسلسل مدبلج، أُنتج خصيصا إلى الشعب العراقي. ويمكن لأي شخص إضافة إهانة أو انتهاك، سها عني أو سهوت عنه. وقد تكون آخر الإهانات اليومية حين يعود أحدنا إلى بيته ظهرا أو مساء أو ليلا، وهو ينظر في المرآة بعد أن يغسل وجهه وينشفه، ويرى أننا كشعب أو أمة بتنا غير قادرين على مواصلة الحياة، حيث تسرب الموت إلى كل مفاصل وجودنا. ولم يتبقَ لنا سوى النظر والتطلع إلى الشعوب الأخرى، التي تحب الحياة وتحيا وتعمل لأجل الحرية والتغيير، الصحيح والملائم. إذ يقف الشعب المصري بما قام ويقوم به هذه الأيام في صدارة تلك الشعوب التي تستحق وقفة الإجلال والتقدير والاحترام، والاقتداء به، إذا ما توفرت لنا نسبة ولو ضئيلة من أجل البقاء على قيد حياة الشعوب والأمم الحية والطامحة لحياة ومستقبل أفضل.