رغم عمله في سلك المحاماة منذ سنوات طويلة في الموصل لم يتوقع مناف سعيد يوماً أن ارتكابه مخالفة مرورية بسيطة في محافظة دهوك ستجبره على الوقوف أمام القاضي متهماً، ويخضع لعقوبة تلوث سيرته الشخصية الممتدة لأربعين عاماً بأول جنحة. ويتحدث سعيد عن سوء تقديره لتطبيق القانون بين الموصل ودهوك، وقال بأنه اضطر صباح الأول من أيلول (سبتمبر) الماضي للرد على هاتفه الخلوي وهو يقود سيارته الأوبل وسط مدينة دهوك.
لكن وبعد أن اجتاز إشارة ضوئية أوقفه شرطي مرور وأخبره بأنه ارتكب للتو ثلاث مخالفات متتالية، أولها التحدث عبر الهاتف أثناء القيادة، والثانية عدم ربط حزام الأمان، والثالثة عدم الالتزام بالإشارة الضوئية، وكلها مخالفات يمكن تبييضها بغرامة مالية.
إلا أن أسوأ ما كان عليه مواجهته وصعوبة التخلص منه بدفع غرامة مالية هو عدم امتلاكه رخصة القيادة، وقد أدى ذلك إلى حجز مركبته في مركز شرطة البلدة ثم الإفراج عنه بكفالة مقدارها مليونا دينار عراقي أي ما يعادل (1800$) لحين موعد المحاكمة. وبشيء من الأسى قال مناف "وقفت بعدها بأيام قليلة، وللمرة الأولى في حياتي أمام القاضي كمتهم وليس لكوني محاميا، ولم أكن أملك أية إجابة للدفاع عن نفسي لأنني كنت بالفعل مذنباً بحكم القانون". مناف حوكم بالحبس ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ بشرط ألا يعود لفعلة مماثلة مدة ثلاثة أعوام كاملة وإلا عوقب بالحبس الفعلي عن الثلاثة أشهر، فضلاً عن العقوبة الجديدة مع دفع غرامة مقدارها عشرون ألف دينار. هذه نسخة كاربونية للعشرات من القصص الأخرى المتعلقة بمواطنين من نينوى يتم ضبطهم بلا رخص قيادة وهم يجوبون بسياراتهم محافظتي أربيل ودهوك المجاورتين، أو مدينة السليمانية فيتعرضون للتوقيف، والإحالة إلى المحاكم المدنية والجزائية. ويعود السبب في انتشار حالة عدم الالتزام بين السواق إلى تعطل استخدام قانون المرور في نينوى منذ نيسان (أبريل) عام 2003 بعد انهيار نظام صدام حسين وماتلاه من انفلات أمني عطّل الكثير من القوانين وأصبح شرطة المرور لا يحاسبون سائقي المركبات على إجازة السوق. غير أن من يزور بسيارته إحدى محافظات إقليم كردستان، دون أن يملك رخصة أو كما يسميها العراقيون "إجازة سوق"، فبالتأكيد سيجد نفسه في ورطة كبيرة. ومع هذا فان الوضع ليس بذاك السوء، إذ بدأت إجراءات حكومية لتدارك الأمر حيث عمدت دائرة المرور في نينوى منذ نحو ما يزيد على العام إلى منح أكثر من نصف مليون رخصة قيادة، وهي ضمن خطة وطنية لتدارك عقد كامل من الفوضى المرورية. ولأن عملية استصدار الرخص مازالت قائمة، ولا يمكن بحسب وزارة الداخلية العراقية، المحاسبة على امتلاكها قبل إكمال العملية، فإن قيادة المركبات مازالت مسموحة للجميع دون أي استثناء، ومن المألوف جداً رؤية مراهقين وهم يجوبون شوارع الموصل بسياراتهم أما قواعد المرور فهي آخر ما يفكرون فيه. مدير مرور نينوى العميد نشوان كركجه ذكر في حديث لـ"نقاش"، أن الرخص الجديدة التي مُنحت في نينوى أو القديمة التي صرفت قبل عام 2003 وتم تجديدها تجاوز النصف مليون رخصة . ويوضح كركجة أن آلية التقديم للحصول على الرخصة يتم بإدخال البيانات في موقع مديرية المرور العراقية العامة على الانترنيت، ثم يُمنح كل شخص رقم تسلل وموعداً لمراجعة دائرة المرور في مدينة الموصل لسحب استمارة خاصة تُملاْ بالبيانات المطلوبة ثم يخضع طالب الإجازة لفحص البصر واختبار القيادة.
وقال مدير المرور إن رقم التسلسل توقف عند الرقم ( 532728 ) في 31/7/2012، بعد أن توقف صرف الاستمارات، وكان من المفترض إطلاقها في مطلع أيلول الماضي، غير أن أموراً إدارية تتعلق بالإدارة العامة في بغداد، منعت ذلك. وتوقع كركجة أن يصل عدد المتقدمين حتى نهاية العام الحالي للحصول على رخص القيادة إلى نحو مليون ونصف المليون شخص، أي نحو نصف سكان نينوى التي جاوز سكانها الثلاثة ملايين نسمة بحسب إحصائيات العد والترقيم التي جرت في العام الماضي. وبين العميد نشوان إن دائرته تصرف منذ مطلع العام الحالي ولغاية تموز (يوليو) الماضي 150 رخصة يومياً وهو عدد غير كاف لتغطية عدد الطلبات الكبير.
وتابع "نتوقع أن يصل عدد الرخص الممنوحة إلى 2000 رخصة يومياً بعد الانتهاء من هذا المشروع، فحينما تصل نسبة حاملي رخص القيادة في نينوى إلى 80 في المئة يمكننا وقتها محاسبة من لايملك رخصة قيادة في الشارع".
الكاتب الصحفي أيسر سليم قال لـ"نقاش" بأن "سبب تعطيل صرف رخص القيادة هو الفساد الذي رافق عملية منحها في دائرة المرور، وأن سعر الاستمارة وصل إلى أكثر من 100 دولار" ويعزو أيسر سبب استشراء الفساد في هذا الجانب إلى قلة عدد الاستمارات المصروفة يومياً، فما قيمة صرف 150 استمارة يومياً مقابل ما يزيد على مليون متقدم بحسب أيسر". ويتابع، "هذا يبرر استعداد الكثيرين لدفع أي مبلغ للحصول على الإجازة بدلاً من الانتظار سنوات طويلة إذا ما سار الأمر بالكيفية المتبعة حالياً في دائرة المرور".
انتشار نقاط التفتيش الدائمة لقوات الشرطة والجيش العراقيين في شوارع مدينة الموصل مركز محافظة نينوى جعل الموصل تسجل "رقماً قياسياً" من حيث قلة الحوادث المرورية وفق ضابط المرور محمد الذي رفض التعريف عن نفسه لأسباب إدارية.
ويتابع "في حال ارتكاب حادث مروري ينجم عنه إصابة بشرية وترفع إزاءها دعوى قضائية تنظرها محكمة ما، تطلب الجهات القضائية إجازة القيادة لأن عدم امتلاكها يعتبر ظرفاً مشدداً للعقوبة بموجب قانون العقوبات العراقي". ويؤكد محمد لـ"نقاش"، عدم إمكانية تطبيق قانون المرور في نينوى حاليا لوجود آلاف من العجلات العسكرية التي لا تقف أبداً في تقاطعات الطرق خوفاً من استهدافها، إضافة إلى مواكب المسؤولين الكثيرة التي لاتلتزم إطلاقاً بالوقوف كذلك عند الإشارات الضوئية، فيما يلعب رجال المرور دور الإشارات في تقاطعات الشوارع بعدما توقف العمل فيها منذ عام 2003. ويضيف "دور رجال المرور يقتصر على منع حدوث الاختناقات في التقاطعات دون أن تكون لهم سلطة محاسبة السوّاق ولكننا قمنا مؤخراً بمحاسبة من يقود المركبات دون سن (18 عاماً) في حدود ضيقة شملت مركبات النقل العام الداخلي فقط.
*عن "نقاش ويكلي"