TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مصر تغنّي

مصر تغنّي

نشر في: 8 ديسمبر, 2012: 08:00 م

بعد الانتفاضة الشعبية ضد صدام في العام 1991، التي كان من ثمراتها أن تحررت كردستان من سيطرة نظامه المباشرة، وصلتني نسخ من وثائق تم العثور عليها في دائرة أمن السليمانية. توقفت في حينها عند أوامر تحظر كما كبيرا من الأغاني العراقية وحتى العربية. اقتنعت بان الدكتاتور يخاف الغناء رغم أني لم أجد في تلك الكتب ما يفسر سبب ذلك. وأنا أيضا لم أتمكن من معرفة السبب بشكل دقيق. ظل السؤال من يومها يدور ببالي: لماذا يخاف الطاغية من أغنية؟
وأنا في مصر التي يقاوم شعبها "إعلان الدكتاتورية"، حرصت يوم الخميس الماضي ألا يفوتني خطاب الرئيس محمد مرسي. تابعته من طق طق للسلام عليكم. خرجت بمحصلتين: الأولى انه خائف، والثانية انه يقلد صوت الشيخ القرضاوي. عندما أدرت عيني بعيدا عن الشاشة  لم أفرق بين صوت الاثنين.
حالما انتهى من خطابه انتقلت بين الفضائيات لمتابعة ردود فعل المصريين، فوجدتهم استقبلوا خطابه بالطريقة ذاتها التي استقبلوا بها خطاب مبارك الأخير: ارحل!
 لفت انتباهي صوت احد المتظاهرين: شفتوه خايف ازاي؟ غنوا وهّوه ح يخاف اكتر. غنى وتلقفها منه المتظاهرون: آه يا مرسي يا عيّاط .. الرحيل أو الإسقاط.
وفي حشد آخر انفردت مجموعة من فتيات مصر ينشدن:
مرسي بيه يا مرسي بيه .. بتحصن قراراتك ليه؟
عاوز تبيعها والا إيه؟
وتقابلهن مجموعة أخرى:
جوه كنيسة وجوه المسجد .. يسقط يسقط حكم المرشد
ومتظاهرون خرجوا من مسجد النور بالعباسية، بعد أن صلوا وذكروا ربهم، غنوا:
الإخواني محمد مرسي .. باع الدم عشان الكرسي
ويستقبلهم حشد خرج من جامع آخر:
باعوا الأرض وباعوا الدين .. لا إخوان ولا مسلمين
انتشرت أغاني الوقوف بوجه المد الدكتاتوري الجديد في كل مكان. إنهم لا "يهوّسون" مثلنا أو يلطمون، بل يغنّون. أغانيهم ووجه مرسي الخائف كشفا لي سر كره الطغاة للأغاني وخوفهم منها. لقد أيقنت أن الشعب الحي هو الشعب الذي يغني.
لم تنحصر فورة الأغاني بين المتظاهرين بل سرت عدواها لوسائل الإعلام والصحافة. فرموزها بمصر انطلقوا بتظاهرة من أمام نقابة الصحفيين إلى ميدان التحرير تضامنا مع الصحافي الحسيني أبو ضيف، الذي يرقد في المستشفى بعد إصابته بطلقات في الرأس. كانوا يغنون: يا حسيني يا ولد .. دمك بيحرر بلد.
إحدى كبريات الصحف، وهي "المصري اليوم"، غنت هي الأخرى فوضعت عنوانها الرئيس في أعلى الصفحة الأولى: فات الميعاد.
الكاتب المصري علي سالم هزته أغاني التصدي للطغيان فاعتبر أن المشكلة اليوم تكمن في أن "الدستور الجديد يفتقر إلى الموسيقى، إلى النغمات التي تكفل وصوله إلى البشر". يضيف مفسرا: "صوت الكلمات في هذا الدستور لا يمكن وصفها بالنعومة والجمال كما لو كانت كلمات لشخص لا يحمل لك الخير. كما لو كانت أغنية أرغم شخص على تأليفها وآخر على تلحينها .. والمطلوب الآن إرغام الشعب كله على أن يغنيها".
 شكراً يا شعب مصر الجميل فلقد كشفت لي سر خوف الطغاة من الأغاني. غنِّ يا شعب مصر غنِّ، وعقبال العراقيين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram