الجمهور العراقي استغنى عن متابعة الفضائيات الإخبارية ، وهذه الحقيقة لم تعلنها جهات مختصة باستطلاع الرأي ، لقلة وجودها في العراق ، ولكنها جاءت من أصحاب مكاتب تقدم خدماتها نصب الستلايت ، وترتيب تسلسل القنوات ، وقبل ايام بثت إذاعة دولية تقريرا يفيد بان نسبة كبيرة من العراقيين ، فضلوا متابعة الفضائيات الرياضية ، بالدرجة الأولى وبعدها القنوات الخاصة بالمسلسلات والأغاني ، والتقرير الإذاعي اعتمد آراء العاملين بتلك المكاتب ، فضلا عن عشرات المشاهدين من كلا الجنسين ، وبأعمار متفاوتة .
معظم الفضائيات العراقية تدعي انها صاحبة الجمهور الاوسع ، من دون ان تثبت ذلك باستطلاع جمهورها ، وربما اعتمدت معايير اخرى في تحقيق اوسع مشاهدة ، لانها تعتقد بان ما تبثه من تصريحات نارية لبعض الساسة واعضاء مجلس النواب يجعلها صاحبة جمهور عريض ، ولاسيما انها قررت انشاء مسطر في مقرها للمحللين السياسيين لغرض الادلاء بتصريحات تندرج ضمن توجيه الاتهامات ، لصالح طرف ضد اخر ، واثر ذلك يشتعل فتيل الأزمة ، باصرار الاعلام المسيس والمؤدلج على إشعال المزيد من الحرائق .
في اكثر من مناسبة أعلنت أطراف الازمة الراهنة انها متمسكة بالابتعاد عن الاعلام في طرح مواقفها، واللجوء إلى الحوار لتسوية الخلافات، لكن بين آونة وأخرى، يتبرع احدهم باطلاق اكاذيب ينفيها آخر، وللتخلص من النبرة العالية في ايقاع "الحوار الحضاري" يقرر المشاهد الانتقال الى قناة اخرى تعرض كيفية تعامل الفيلة والقرود مع حرائق الغابات.
يوم دخل المذياع إلى العراق استقبله الكثيرون بوصفه أعجوبة، ورافق ذلك حصول أحداث طريفة، ومنها مثلا انه احدهم كاد يقتل زوجته لسماعه شخصا يتحدث معها، وتبين في ما بعد ان الحديث كان مقطعا من تمثيلية إذاعية، وشخص اخر ألزم النساء والبنات بارتداء الملابس المحتشمة اثناء تشغيل "الراديون"، وبعد مرور زمن طويل عرف المستمعون من أبناء المدن والأرياف سر المذياع ، فتخلوا عن قناعاتهم السابقة بوصفه كان سببا في إثارة المشاكل العائلية.
بعض فضائيات اليوم وكما يراها معظم العراقيين أصبحت مصدرا مباشرا لإثارة الأزمات، لأنها تتعامل مع الأحداث بطريقة خطابها الموجه، ولا تتردد عن توجيه تحذيرات للمشاهدين، وتدعوهم الى شراء المزيد من المواد الغذائية واقتناء أقنعة الوقاية من ضربة كيمياوية لمواجهة ظروف حرب وشيكة، يعزز فرص اندلاعها تحليل خبيرين الأول امني والثاني سياسي بالإشارة الى تشكيل الجيش العراقي الحر بدعم من أطراف مشاركة في الحكومة الحالية لتنفيذ انقلاب عسكري يطيح بالتجربة الديمقراطية.
لا توجد في العراق جهة قادرة على إلزام بعض وسائل الإعلام بالتخلي عن خطابها المهدد للسلم الأهلي، ورحمة بالمشاهدين، ولغرض أن تحتفظ بعض الفضائيات بجمهورها الواسع كما تدعي من المناسب لها واحتراما لرسالتها أن تستغني عن محلليها وخبرائها، لان القادة السياسيين سيتفقون باعتماد مبدأ التوافق، والصفقات، وصاحب الوجه المصخم يومذاك لن تتوفر له فرصة الظهور على الشاشة وسيضطر للذهاب إلى"الراديون" ليغني شالو ما بعد نلكاهم.
راديون
[post-views]
نشر في: 10 ديسمبر, 2012: 08:00 م