TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > مصراوية.. لا إخوان ولا سلفية

مصراوية.. لا إخوان ولا سلفية

نشر في: 11 ديسمبر, 2012: 08:00 م

لا إخوان ولا سلفية

مصر دولة مدنية

لا إخوان ولا سلفية

مصر حا تفضل مصراوية

كانت هذه بعض الهتافات التي أطلقها الصحفيون كقوة وعي في تظاهراتهم والتقطها ميدان التحرير لتصبح شعارات أساسية ضمن أخرى عبرت عن غضب المصريين واحتجاجهم على عملية الخداع الشاملة التي قامت بها جماعات الإسلام السياسي، وكان هذا الخداع قد بدأ منذ انطلقت عملية التلاعب بالتواطؤ مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لقلب المسار الديمقراطي المنطقي الذي كان يقضي بكتابة الدستور المصري أولا ثم إجراء الانتخابات بعد ذلك لكنهم اختاروا تعديل تسع مواد في دستور 1971 الذي كان من المفترض أن يكون قد سقط بسقوط حكم «مبارك» وعصابته.

وفي الاستفتاء على هذه المواد التسعة أطلقت قوى الإسلام السياسي صفارة الانقسام الطائفي في البلاد حين أخذت تحشد أنصارها بادعاء أنهم لو صوتوا بلا سوف يحكم المسيحيون مصر وأن من يصوت بنعم سوف يدخل الجنة ومن يصوت بلا مآله جهنم وبئس المصير، وهكذا أصبحت هذه النغمة النشاز في حياة المصريين تتردد ليل نهار لإقحام الدين في السياسة وإزاحة الشعار العبقري الذي ابتدعته ثورة مصر الوطنية الكبرى في عام 1919 «الدين لله والوطن للجميع» وهو الشعار الذي استقر في وجدان المصريين عبر العقود وتمثلته ثورة 25 يناير 2011 التي شارك فيها النساء والرجال والمسيحيون والمسلمون كتفا بكتف وفيها اختلطت دماء الجرحى والمصابين دون إطلاق شعار ديني واحد، بل كانت الشعارات الوطنية التقدمية الجامعة هي.. عيش - حرية - عدالة اجتماعية - كرامة إنسانية، وظل هناك مشهد سوف تحتفظ به ذاكرة المصريين طويلا عنوانا لوحدتهم الوطنية واحترامهم للاختلاف ومحبتهم الفياضة لبعضهم البعض حين وقفت فتاة مسيحية تضع صليبا كبيرا وقد أمسكت بدورق ماء تصب منه لشيخ مسلم ماء الوضوء، وحين أقام المسيحيون قداسا في الميدان أحاط بهم مسلمون لحمايتهم خاشعين جميعهم لله، وتبث وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة شهادات بالآلاف عن صور التعايش والمودة الصافية بين المسلمين والمسيحيين.

والقول إن مصر بعبقرية شعبها وقوته الروحية هي التي علمت الإنسانية التوحيد ومصرت كل من المسيحية والإسلام وبثت فيهما من روحها وأشواقها.. ليس قولا إنشائيا وإنما هو حقيقة برهن التاريخ على صحتها رغم كل الممارسات والوقائع العابرة التي شكلت نقاطا سوداء في تاريخ العلاقات بين المسلمين والمسيحيين والتي ثبت في كل مرة أن أيدي مشبوهة وسياسات عاجزة كانت تؤججها.

باختصار ظلت مصر مصراوية والذين يريدون الآن إعادة تشكيل هويتها هم واهمون، أو عابرون في كلام عابر على حد تعبير محمود درويش.

ذلك أن المكونات بالغة الثراء والتنوع والعمق التي دخلت في تشكيل شخصية مصر وعبقريتها على حد تعبير «جمال حمدان» ظلت وستبقي رغم كل الآلام التي تعانيها البلاد الآن - ظلت متفاعلة تفاعلا خلاقا يتجدد مع كل جديد في العلاقات الإنسانية وفي الثقافة والعلوم، في الرؤي والتطلعات بحيث يستحيل اختزالها في مكون واحد كما يسعي الإسلاميون الآن الذين قبل أن يختزلوا الوطن في أنفسهم قاموا بتقزيم الإسلام ذاته وتضييق آفاقه الرحبة ناسين كل ما أسهمت به الثقافة العربية الإسلامية العقلانية حين أنارت للبشر في الأندلس طريقهم لثمانية قرون، وكانت كتابات فيلسوف العقلانية الإسلامية ابن رشد هي التي فتحت لأوروبا طريق نهضتها وخروجها من العصور الوسطى.

وكانت الفلسفة العقلانية الإسلامية في ذلك الحين قادرة بوعي على الامتصاص من الحضارات والثقافات الأخرى في البلدان التي فتحها المسلمون أو تاجروا معها.. ثم بدأ انهيار الحضارة العربية الإسلامية حين تحولت بلدانها إلى طوائف وفرق متناحرة، وبرزت الرؤى الأحادية الضيقة والمتزمتة كعلامة على الانحطاط.

والخاصية الأساسية لمشروع الدستور الباطل الذي يكافح المصريون الآن ضد إنجاز الاستفتاء عليه أنه يختزل الثقافة في الدين وحده، ويختزل الدين في الإسلام وحده، ويختزل الإسلام في الرؤية الضيقة والمتحيزة والتمييزية لجماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم وبدلا من أن تكون هوية مصر المصراوية سيرورة متجددة وتبدو هذه الهوية طبقا لهم ولمشروع دستورهم كأنها بهذا الاختزال المستحيل قد وجدت في الماضي واكتملت هناك، وأصبحت جوهرا مصمتا صافيا يسعى الإسلام السياسي لعصرنته بعد أن يتفسخ الوطن ويتملكوا هم كل مفاصل الدولة، ويساعدهم على إنجاز هذا المخطط الشيطاني حقيقة أننا بلد أصبح مستهلكا لا منتجا للفكر مما يسهل استيراد الأفكار الوهابية التي تنتمي للماضي ويجري تهميش الإبداع الوطني، وينمو كل ما هو تحت وطني ،أي تنتعش الهويات الصغرى على حساب مصر المصراوية المتماسكة الموحدة وهو ما تفعله التوجهات السياسية الأساسية للطبقة الحاكمة الآن لكن مصر المصراوية الديمقراطية والعادلة تقاوم ولسوف تنتصر مهما طال الزمن ومهما كان حجم التضحيات، وسوف يسقط الدستور الباطل، إن عاجلا أو آجلا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram