فوجئ الرأي العام يوم الأحد الماضي بإذاعة سلسلة من القرارات أصدرها رئيس الجمهورية د. محمد مرسي تتضمن تعديلات على قوانين الضريبة العامة على المبيعات، وضريبة الدمغة، والضريبة على العقارات المبنية، والضرائب النوعية.
ومؤدى هذه القرارات الصادرة بالقانون رقم 102 لسنة 2012، التي أصدرها رئيس الجمهورية بصفته مالكا للسلطتين التنفيذية والتشريعية معا، زيادة الضريبة على 50 سلعة وخدمة، أي رفع أسعارها.
ورغم أن بعض السلع والخدمات التي تمت زيادة الضريبة عليها وبالتالي رفع أسعارها قد يراها البعض سلعا ترفيهية مثل البيرة (بزيادة الضريبة بنسبة 200%) أو السجائر (بزيادة الضريبة بنسبة 50%)، أولا تمس محدودي الدخل مثل زيادة الضريبة علي التصرف في العقارات أو الأراضي وشركات البحث عن البترول والغاز وعوائد السندات التي تصدرها وزارة المالية وسندات وأذون الخزانة وطرح الأسهم لأول مرة في البورصة.. إلا أن جوهر القرار يتضمن رفع أسعار كل السلع والخدمات بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق نقل المنتج عبء هذه الضريبة إلى المستهلك، وبالتالي تراجع القيمة الحقيقية للأجور والمرتبات وانخفاض مستوى معيشة كل من يتقاضى أجرا سواء كان عاملا أو موظفا في الحكومة أو القطاعين العام والخاص، أي الطبقات الشعبية الكادحة والفئات الوسطى في المجتمع.
وهي حقيقة تتناقص مع ادعاء المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء والسفير «علاء الحديدي» الذي قال إن زيادة الضرائب «تتجه إلى تيسيرات ضريبية في أغلبها ولا تتعرض لمحدودي الدخل وذلك لتحقيق التوازن الاجتماعي»!
يكفي أن زيادة هذه الضرائب ستؤدي إلى ارتفاع أسعار سلع أساسية - بل وجميع السلع والخدمات - بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مثل زيوت الطعام والمطهرات والمبيدات والأسمدة «وبالتالي كل المحاصيل الزراعية ومن ضمنها الغذائية» والأسمنت «تكلفة البناء»، والمحمول والتصاريح الخاصة برخص البناء ومصانع الطوب والمحاجر والمفاحم والملاهي والسينما والمسرح، وكذلك رخص تسيير سيارات النقل بحمولات مختلفة «أي رفع تكلفة نقل كل السلع وبالتالي أسعارها»، ورخص المحال العامة ومحال الجزارة، وتوريد المياه والكهرباء ووصلات توريد الغاز، ورفع سعر الكهرباء، وفرض ضريبة تتراوح بين 10% و15% و25% على الإعلانات «وتحميل هذه الزيادة في النهاية للمستهلك برفع سعر السلعة المعلن عنها».. إلخ.
وكشفت السلطة عن جانب آخر من وجهها القبيح عندما تبين أن القانون الخاص بزيادة هذه الضرائب والذي أعلن عنه للرأي العام يوم الأحد 9 ديسمبر تم نشره في الجريدة الرسمية يوم الخميس 6 ديسمبر 2012 (العدد 49 تابع «أ» السنة الخامسة والثلاثون) في ظل العمل بالإعلان «الدستوري» الصادر في 21 نوفمبر 2012 والذي حصن كل القرارات والقوانين والإعلانات «الدستورية» التي يصدرها د. محمد مرسي رئيس الجمهورية من الطعن عليها أمام القضاء بأي من صور الطعن.
وكان من الطبيعي أن يثير هذا العدوان على حياة الناس ومستوى معيشتهم ردود فعل غاضبة، وحفلت البرامج الحوارية في القنوات الفضائية مساء الأحد الماضي بمناقشات حادة وغاضبة لهذه القرارات كشفت عن انحياز الحكم ضد الطبقات الشعبية والوسطى، واعتماده سياسات نظام مبارك، واستخدام الضريبة كسلاح «جباية» لحل مشاكل عجز الموازنة العامة، وتنفيذا لشروط صندوق النقد الدولي مقابل موافقته على قرض بقيمة 8.4 مليار دولار.
وأصبح مرجحا تحول التظاهرات والمسيرات الاحتجاجية والاعتصامات في ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى وحول «الاتحادية» من الرفض للإعلان الدستوري الجديد والسابق والدستور الإخواني - السلفي والاستفتاء على هذا الدستور والمطالبة بإسقاط الإعلان ومشروع الدستور وإلغاء الاستفتاء، إلى ثورة ضد قرارات رفع الأسعار الذي قرره الحكم بليل ومن خلف ظهر الجميع، وتوقع البعض انضمام العمال والفلاحين إلى القوى الحزبية والسياسية التي تمارس الاحتجاجات في ميادين مصر وأمام الاتحادية، وتحول الدعوة للإضراب العام إلى واقع فعلي.
وتذكر الجميع انتفاضة الشعب المصري في 18 و19 يناير 1977 كرد فعل لقرارات مماثلة أدت إلى رفع أسعار سلع أساسية خاصة السلع التموينية.
واضطر رئيس الجمهورية وجماعته للتراجع بسرعة قبل أن تقع القارعة بعد ساعات قليلة من الإعلان عن هذه القرارات، فأصدرت رئاسة الجمهورية بيانا قبل فجر يوم الاثنين جاء فيه «إن السيد رئيس الجمهورية وهو يستشعر نبض الشارع المصري ويدرك مدى ما يتحمله المواطن المصري المكافح من أعباء في هذه المرحلة الاقتصادية الصعبة، قد تابع ما ترتب على إصدار قرارات تتضمن رفع الضرائب على بعض السلع والخدمات من ردود فعل ناشئة عن التخوف من أن يؤدي تطبيق هذه القرارات إلى ارتفاع في الأسعار وزيادة تكاليف المعيشة على المواطنين، ولما كان السيد الرئيس لا يقبل أن يتحمل المواطن المصري أي عبء إضافي إلا باختياره ورضاه، فقد قرر سيادته وقف سريان هذه القرارات، وكلف الحكومة بأن تجري حولها نقاشا مجتمعيا وعلنيا يتولاه الخبراء المتخصصون، حتى يتضح مدى تمتعه بقبول الرأي العام، وسيبقى الشعب دائما هو صاحب الصوت الأعلى والقرار الأخير».
ومعنى البيان واضح، فالرئاسة اضطرت لتأجيل تنفيذ القرار ولم يتم إلغاؤه، وهو ما أكده المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء عندما قال «إن التعديلات على قوانين الضرائب التي أصدرها الرئيس مرسي تأتي ضمن برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادي والمالي الذي تم اعتماده منذ فترة».
ويبدو أن الهدف الحقيقي من التأجيل، هو تجنب احتشاد المصريين للتصويت بلا في الاستفتاء على الدستور الإخواني - السلفي يوم السبت القادم - إذا قدر له أن يتم - وكذلك عدم تعبئة الرأي العام ضد حزب الحرية والعدالة ،وبالتالي عدم التصويت لمرشحيه في الانتخابات النيابية القادمة.
باختصار الهدف هو خداع الشعب المصري وتفويت مخططهم في إقامة دولة المرشد، ثم الانقضاض على لقمة عيش الشعب المصري لحساب أرباح رجال الأعمال «الإخوانجية» وشركائهم المنتمين جميعا لرأسمالية التجار والوسطاء.