سرمد الطائي
اتيح لي مساء الثلاثاء ان اشترك في حوار مفيد في ستوديو الحرة، ورحت اتحدث عن لقطة اقتنصها الصديق علي حسين من تاريخ ألمانيا، وعبر الجدل السياسي في مصر، فيها تصوير دراماتيكي لسياسي يصل الى منصب رئيس الحكومة عبر الديمقراطية، ثم يقوم بتوسيع سلطاته والغاء التعددية والمؤسسات المستقلة التي يفترض ان تقوم بتقييد سلطته وترشيد حكمه وتنقيح سياسته.
هتلر الذي جاء للسلطة عبر الانتخابات، قام بالغاء الديمقراطية في بلاده وبلغت ذروة ذلك في عملية شهيرة عام 1933 عرفت بحادثة "احتراق الرايخ" واصبحت رمزا لاحتراق مبنى البرلمان الالماني، ثم الغاء اي برلمان بالمعنى الحقيقي، وصعود القائد الاوحد. وبعد حريق البرلمان اجبر هتلر نائبا عن الحزب الشيوعي بالاعتراف بتدبير الحادث، ثم اعلن الاحكام العرفية وعطل الدستور واصبح القائد الاوحد.
صحفيو مصر قالوا ان الرئيس محمد مرسي يريد "احراق الرايخ" والغاء سلطة القضاء والصعود على اي قوى اخرى لها جمهور، واحتكار القوة لدى الاخوان ثم قد يتحول الامر الى مجرد سلطة لزوجة مرسي وابنائه. ولذلك نزل عمرو موسى والبرادعي وصباحي الى ميدان التحرير، ومعهم كل معارضي مرسي، منعا لحريق الرايخ المصري!
الاشارة قمنا بتطويرها في ملف نشرته "المدى" الثلاثاء، تحت عنوان "احراق الرايخ من بغداد الى القاهرة"، وفيه محاولة لمتابعة كيف يصل متشدد لا يؤمن بالديمقراطية، الى السلطة في بغداد او القاهرة، ثم يحاول "احراق البرلمان" وتقييد سلطة القضاء والانقلاب على كل المؤسسات الدستورية التي تتولى في الديمقراطيات العريقة حفظ السياسة من التفرد والاستبداد.
وفي الحقيقة فإن مصر محظوظة بوضع اكثر نضجا. وعلى حد تعبير برنار لويس المؤرخ المعروف، فإن الشرق الاوسط امتلك نهاية القرن التاسع عشر دولتين ونصف، هما العثمانية وبلاد فارس ومصر. وما عداها كان مجرد اقاليم مهملة. ونصف الدولة كانت مصر، فهي ليست دولة كاملة لانها ليست بقدر استقلالية تركيا او ايران يومذاك، اذ يحكمها مماليك سابقون جاؤوا من اسطنبول (اسرة محمد علي) الالبانية. لكنها تمتلك قضاء قويا وجيشا حديثا ومصارف وبنوك عصرية وبعثات دراسية تذهب الى اوربا منذ القرن 18 تزامنا مع النخبة التركية والايرانية التي راحت تدرس في جامعات الغرب وتقوم بتحديث بلدانها. والامر تأخر معنا مائة عام تقريبا، وجعلنا متأخرين عن التجارب الثلاثة حتى هذه اللحظة، وليس لدينا اليوم عمرو موسى او برادعي ينزل الى ساحة التحرير ليوقف عملية "احراق الرايخ" التي يقوم بها "مرسي بغداد".
هذا الكلام يجعلنا في مواجهة حقيقة ان المالكي لم يجد من يكبح جماحه، فراح يصادر كل شيء ويستولي على الدولة "بالحق والباطل"، وخصومه يحاولون منعه بمواقف جريئة لكنها ليست كافية بعد، والرايخ الذي ستمنع مصر احتراقه، قد يحترق عندنا في اي لحظة، ويمسي نوابنا في "خبر كان" تحت طائلة مذكرات القاء قبض وعقوبات واتهامات ولجان تحقيقية (حالهم حال اي سنان شبيبي ومظهر محمد صالح) فكل الخصوم لدى من يريد احراق الرايخ، هم مجرد "سنان شبيبي اخر" لا احد استطاع الوقوف الى جانبه حين تعرض الى هذا الطرد القاسي والخارج عن الشرعية.
الضيوف في ستوديو الحرة عارضوا هذا الكلام قائلين: ان فيه مبالغة لان المالكي لن يجازف "باحراق الرايخ"، ذلك انه يعتمد على اطراف حكومته الائتلافية، كي يحصل على ولاية ثالثة وبدونهم لن يكون رئيسا للحكومة مرة اخرى. ولذلك فإن كل ما يقوم به سيكون له حدود ولن يتمادى اكثر في ايذاء الخصم، اي انه لن يجازف سياسيا في الوصول الى نقطة اللاعودة مع الخصوم لانهم شركاء في النهاية.
اما انا فأخشى ان الامر معكوس تماما. ان صبر المالكي على شركائه وعدم فتح النار عليهم، هو الذي سيكون مجازفة سياسية بالنسبة له. فالمالكي يعلم ان شركاءه لن يسمحوا له ابدا بولاية ثالثة، حتى لو حافظ على 89 مقعدا، وسيكونون ائتلافا فيه شيعة وسنة واكراد لترشيح شخصية شيعية اخرى. ولذلك فلا خيار لديه كي يطمح الى ولاية ثالثة، سوى ان يدفع الدبابات واوامر القاء القبض ويقول للرئيس طالباني الذي كان دوما عنصر التهدئة والحكمة: "انا من جاء بك الى الرئاسة"، ثم يلتفت الى شركائه الشيعة ليتهم زعيم التيار الصدري بأنه يصدر بيانات "بلا قيمة"، وقد اعط سابقا خطة لتحويل المجلس الاعلى الى "منظمة مجتمع مدني" كما يقال.
ان المالكي ليس امامه كما يبدو سوى ان يجازف كثيرا، وهو يحلم بأن التمادي في ايذاء الخصوم، سيظهره كبطل ملحمي وسيجعل شريحة واسعة من السنة والشيعة (وحتى الاكراد) تشعر بإعجاب كبير بسطوته ونفوذه وملحميته.. فيخرج من الانتخابات بكتلة كبيرة هذه المرة ويسحب البساط من تحت الجميع، كي لا يتمكن احد من منعه من ولاية ثالثة.
انه حلم يمكن تلمسه منذ خروج الامريكان. وهو سيناريو اسود لو صدق، سيعني ان "الرايخ العراقي" عرضة لحريق كبير بعد عام واحد على انسحاب امريكا، وهدف احراقه مجرد ابقاء شخص واحد على كرسي السلطة. لماذا تذكرنا بهذه المقارنات يا علي حسين؟
هل سيحرق المالكي "الرايخ العراقي"؟
[post-views]
نشر في: 11 ديسمبر, 2012: 08:00 م
جميع التعليقات 2
حسام العبادى
اثبت الشعب المصري بانه من الشعوب الحية التى تكافح من اجل لايتحول رئيسها الى حسنى اخر والشعب العراقي يسعى لتكوين الطغاة فهاهو الشعب العراقي يقاتل من اجل خلق القائد الضرورةوزين الشباب وعلى المجيدلانة اشتاق لاسواط الطغاة
khaled
يا اخي سرمد كيف لا وهو من يهدد مخالفيه ب4 ارهاب كما مع نائب رئيس الجمهورية الهاشمي هل نسيته ان تناسيته