نعني بالمسؤول هنا، الموظف الحكومي الذي تكون له قدرة واضحة وكبيرة على التعامل مع احتياجات المواطنين وتلبيتها وفقاً لصلاحيات قانونية يتمتع بها هو دون غيره، نتيجة لوجوده في هذا المركز الوظيفي أو ذاك، وبهذا يكون لوجوده في هذه الوظيفة (التي غالبا ما تكون قيادية) مساس مباشر مع حياة الناس، ويكون لقراراته وطريقة إدارته نتائج واضحة على النجاح أو الفشل في تحقيق ما يحتاجه الناس، تبعا لنوع الخدمة الوظيفية التي يقدمها.
المواطن في العراق لاحظ تكرار حالات الكذب في التصريحات التي تتحدث عن تلبية الخدمات والاحتياجات، من لدن هذا المسؤول أو ذاك، من بينهم وزراء أو مدراء عامون، ومنهم من يتربع على منصب حساس، يمكنه من خلاله إذا اشتغل بضمير حي، أن يخدم الناس خدمة حيوية وكبيرة، بيد أن هناك مسؤولين يكذبون على المواطن، بمعنى أوضح، يظهرون على شاشات التلفاز أو في الإذاعات، أو في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، ويعلنون قرب الانتهاء من إنجاز المشروع الفلاني، أو سوف تنتهي معاناة كذا شريحة قريبا، أو أننا توصلنا إلى حل المشكلة الفلانية بصورة نهائية، وهكذا تستمر التصريحات الكاذبة كأسلوب أتقنه بعض المسؤولين لامتصاص نقمة الناس عليهم، وعلى وزاراتهم ودوائرهم، فضلا عن تقربهم للناس عندما يقترب موعد الانتخابات أو تكون هناك مصلحة قريبة للمسؤول من المواطن.
نعم هناك مسؤولون يكذبون على الناس في وضح النهار، وتمر أكاذيبهم من دون حساب، ويبقى المواطنون يتذكرون التصريحات بحسرة، مع نقمة تتزايد يوميا على الأجهزة الحكومية التي يقودها أو يديرها مسؤولون كاذبون، فهل يصح أن تستمر هذه الظاهرة في ظل نهج ديمقراطي تحرري؟ أليس من الصحيح أن تتحرك الجهات المعنية في الحكومة لكي تضع حدا لمثل هذه الأكاذيب، ونعني بالحكومة هنا الاتحادية والمحلية على حد سواء، أليس من الواجب على أمانة رئاسة الوزراء أن تضع ضوابط واضحة المعالم تعاقب من خلالها من يكذب من المسؤولين على المواطن؟ ثم أليس من الصحيح أن توضع في هذا الصدد، تشريعات واضحة سواء من السلطة التشريعية أو الجهات المعنية لكي تضع حدا للتصريحات الكاذبة؟
ألم يتابع المسؤولون مثل هذه الأكاذيب ذات الطابع (التخديري) للمواطنين، كما أُطلق –مثلا- من تصريحات بصدد الكهرباء (ومنجزاتها)، فقد ظهر مؤخرا، أحد المسؤولين في إحدى المحافظات، وأعلن أن الوزير الفلاني افتتح عدة محطات كهربائية، أضافت كذا ميكا واط للشبكة الوطنية، وفي يوم الافتتاح نفسه، تناقصت الطاقة الكهربائية في المحافظة نفسها (من ساعة ونصف تزويد مقابل أربع ساعات ونصف قطع، إلى ساعة واحدة تزويد مقابل خمس ساعات قطع)، الأمر الذي أثار تندّر الناس وسخريتهم مع سخطهم في الوقت نفسه.
وهكذا الكثير من التصريحات التي لم تعد تنطلي على المواطن، وهذا ما يؤكد فقدان الثقة على نحو جدي، بتصريحات المسؤولين، لذا لابد من معالجات قانونية تحد من هذه الظاهرة، التي لا ينحصر ضررها بالمسؤول وحده، بل تتعدى شخصه إلى دائرته أو مؤسسته أو وزارته كلها، ناهيك عن الضرر الذي تلحقه بالأداء الحكومي على نحو عام.
وإذا كان المسؤول لا يعي حجم الضرر الذي يلحق بالمواطن نتيجة لتصريحاته، فحري بالجهات المعنية، أن تضع وتصدر القرارات الصائبة التي تحد من هذه الظاهرة، لأن تصاعد هذه الظاهرة وتناميها وتكرارها على نحو لافت، يؤكد عدم أهلية كثير من المسؤولين للمناصب التي يشغلونها، ويؤكد أيضا عدم شعورهم بحجم مسؤولياتهم، ويؤكد قطعا طبيعة شخصية المسؤول المتكونة من جملة سمات وصفات رديئة، مثل اللامبالاة والإهمال والاستئثار وسواها، مما يؤكد عدم أهليته لمنصبه، فضلا عن الحاجة القصوى إلى أسلوب الردع والمتابعة من أجل القضاء على هذه الظاهرة المستفحلة.