تؤشر التصريحات الأخيرة، الصادرة عن نائب وزير الخارجية الروسي بوجدانوف، بخصوص إمكانية انتصار معارضي النظام السوري عسكرياً، أن معركة دمشق ستكون الحاسمة، وأن مصير الأسد بات محسوماً، من حيث انتفاء أي دور له في مستقبل البلاد، بعد أن فقد شعار الأسد إلى الأبد مضمونه، وبات واضحاً أن كل طرف في الصراع على سوريا يفتش عن مصالحه، بعيداً عن الشعارات، وحتى عن المواقف التي كانت تأمل باستمرار النظام، بعد أن أدت حربه على المعارضة التي بدأت سلمية إلى مقتل خمسين ألف سوري.
واشنطن رحبت بالموقف الروسي، وأشارت الى أن البيت الأبيض والكرملين يتشاركا هدف الوصول إلى حل سياسي في أسرع وقت ممكن، واعتبرت أن التطورات المتسارعة على الأرض، أوضحت للجميع بأن أيام النظام معدودة، وأنها تبعاً لذلك تتطلع قدما لتبادل الأفكار مع موسكو، حول طريقة دفع عملية انتقال السلطة إلى الأمام، وهي المرة الأولى يتفق فيهما القطبان، على أن نظام الأسد يخسر على الأرض، وأن معارضيه يتقدمون بثبات، ويطبقون على العاصمة بعد أن حاصروها، وشلوا الحركة فيها، وتحولت على يد النظام إلى ثكنة عسكرية مقطعة الأوصال.
يبدو لافتاً تزامن الموقف الروسي، مع إعلان المعارضة أن الشعب السوري لم يعد بحاجة إلى تدخل قوات دولية، مع تقدم مقاتليها نحو وسط دمشق، وأنها ستدرس مقترحات من الأسد لتسليم السلطة ومغادرة البلاد، إذا أراد ذلك، لكنها لن تعطي أي ضمانات الى أن ترى عرضاً جاداً، وهي تأمل أن يدرك الأسد أنه ليس له دور في سوريا، أو في حياة الشعب السوري، وأن الأفضل له أن يتنحى، والسؤال: هل يدل ذلك على ثقة بمقدرة قواتها على حسم الأمر، أو على معلومات بأن عواصم القرار توصلت إلى نتيجة، تقضي بتغيير رأس النظام، مع الحفاظ على مؤسسات الدولة، خشية تكرار التجربة العراقية.
قبل الموقف الروسي، كانت الأنباء تحدثت عن تغيير ما في الموقف الإيراني، الذي ظل الأكثر دعماً لنظام الأسد، حد المشاركة في القتال إلى جانبه ودفاعاً عنه، وقد يكون الانقلاب الإيراني مقدمة لحل أزمة مشروعها النووي، أو مقايضة يقبلها الغرب، على درب حل المعضلتين السورية والإيرانية في صفقة متكاملة، تضمن من الجهة الأخرى النفوذ الإيراني في العراق، أو تضمن على الأقل عدم إفلات بغداد من دائرة ذلك النفوذ.
على أهمية المواقف الخارجية، يظل أساسياً معرفة موقف الأسد من كل هذه التطورات، سواء في المواقف الدولية أو على الأرض، وهل يمكن أن يلجأ إلى أسلحة لم يستخدمها حتى اليوم، في خطوة يائسة تعتمد مقولة علي وعلى أعدائي، أو ينتقل برفقة من يظل موالياً إلى الساحل، في خطوة قد تكون تكريساً لفكرة الدولة العلوية المرفوضة من الجميع، أو يختار السلامة الشخصية بالرحيل إن كان ما زال متاحاً، المؤسف أن هذه فقط هي خياراته، بعد فقدانه خيارات كانت أفضل كثيراً له شخصيا ولأبناء شعبه.