تبلغ الموازنة العراقية الاتحادية للعام المقبل (118.6) مليار دولار أميركي، لكن وببساطة هذه الأرقام غير معقولة وغير منطقية، فعلى الرغم من التوقعات المتفائلة فإن عائدات النفط في العراق لن تغطي المبالغ التي تحتاجها الحكومة وسيواجه العراق عاجلاً أم آجلاً مشكلة ديون خطرة.
فمجلس الوزراء العراقي قدم إلى البرلمان مشروع ميزانية عام 2013 بقيمة 138 تريليون دينار (118.6 مليار دولار) بزيادة 18 ملياراً عن موازنة عام 2012 التي بلغت 100 مليار دولار.
تعتمد ميزانية الدولة العراقية بشكل شبه كلي على عائدات النفط وتشكل الصادرات النفطية 95 في المائة من الإيرادات الحكومية وتساوي 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومنذ الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003 وما تبعه من إنهاء العقوبات الدولية، ازداد إنتاج العراق وصادراته من النفط باطراد فارتفعت الصادرات من متوسط قدره 1.4 مليون برميل في اليوم في عام 2002 إلى 2.1 مليون برميل يوميا في عام 2011 .
وتزامنت هذه الزيادات مع ارتفاع في أسعار النفط ما بعد عام 2000 وخلال الفترة الممتدة من هذا العام وحتى الآن وخاصة مع بداية عام 2003 بلغ سعر نفط البصرة الخام الذي كان يباع بسعر 23.32 $ في عام 2002 إلى 106.17 $ في عام 2011.
وبسبب هذين العاملين ازدادت عائدات العراق من القطاع النفطي بشكل كبير وانعكست هذه الزيادة بوضوح على الموازنة السنوية التي شهدت هي الأخرى زيادة كبيرة.
يظهر الجدول الاول الميزانيات السنوية للحكومة العراقية في المدة الممتدة من عام من 2003 وحتى عام 2013.
وكمقياس يجب علينا النظر إلى الدول المتقدمة، وتحديدا إلى المتوسط في دول منظمة اﻟﺘﻌﺎون اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ من أجل استخلاص رقم تقريبي مثالي من نفقات هذه الدول.
يحتوي الجدول الثاني على قائمة مختارة من دول منظمة اﻟﺘﻌﺎون اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ وحجم السكان في هذه الدول المختارة والإنفاق الحكومي في عام 2009 ونصيب الفرد من الإنفاق الحكومي في هذه الدول. كما يوضع الجدول متوسط نصيب الفرد في عام 2009 في دول منظمة التعاون الاقتصادي:
فموازنة العراق لعام 2013 هي أعلى ميزانية في تاريخ العراق، وإذا علمنا أن عدد سكان العراق هو أكثر من 34 مليون نسمة فهذا يعني أن العراق ينفق حوالي 3440 $ على كل مواطن.
وبالمقارنة تنفق دول التعاون الاقتصادي ما متوسطه 15،331 $ لكل مواطن وإذا ما طبقنا هذا المتوسط على العراق فإن معدل الإنفاق الحكومي سيتجاوز 500 مليار دولار.
وعلاوة على ذلك فإن مصدر 95 في المائة من دخل الحكومة العراقية هو من عائدات النفط، إلا أن أعلى أرباح النفط التي حصل عليها العراق كان 83 مليار دولار العراق في عام 2011 حيث بلغت قيمة الصادرات 2.1 مليون برميل يوميا.
وبما أن أعلى العائدات النفطية التي حصل عليها العراق مقارنة مع أي وقت مضى هو 83 مليار دولار - وهو مبلغ أقل بكثير من أعلى موازنة عراقية والتي وصلت إلى 118 مليار دولار، كما أنه أقل بشكل كبير من الميزانية المطلوبة - فيتضح بجلاء أن عائدات النفط لا تكفي لتغطية احتياجات الإنفاق في العراق. لذا يحتاج العراق إلى تنويع عائدات الحكومة من مصادر أخرى غير عائدات النفط إذا ما أراد توفير لأموال اللازمة ليتطور ويصبح أمة متقدمة.
وقد يجادل البعض بأن زيادة إنتاج النفط العراقي وصادراته ستسمح للحكومة بتلبية احتياجات العراق المالية في المستقبل. ولكن وجهة النظر هذه غير صحيحة وهي للأسف ما لن يكون عليه الوضع في المستقبل.
إن أكبر مصدر للنفط في العالم هو المملكة العربية السعودية وقد بلغ أعلى مستوى من الإيرادات النفطية حصلت عليها المملكة 318 مليار دولار في عام 2011 عندما قامت بتصدير 7.2 مليون برميل يوميا
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يصدر العراق 4.4 مليون برميل يوميا في عام 2020، ولكن عائدات هذا المستوى من الصادرات لن تكفي لسد احتياجات العراق الحالية، ناهيك عن احتياجاته في عام 2020 عندما يبلغ عدد سكان العراق 41.8 مليون نسمة .في ذلك الوقت سيكون العراق بحاجة الى ميزانية تقدر بحوالي 640.7 بليون دولار، ولقد رأينا بوضوح أن عائدات النفط لم ولن تكون أبداً كافية لتمويل موازنة العراق بشكل كامل.ويجب على الحكومة العراقية تغيير توجهاتها والبدء بتوسيع الإيرادات الحكومية من أجل توسيع الموازنة بشكل يلبي احتياجات البلاد، وهذا أمر حتمي إذا ما أراد العراق أن يتطور ويزدهر في السنوات المقبلة.
عن "نقاش ويكلي"