اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > جدٌ خبيثٌ سلبني معتقداتي

جدٌ خبيثٌ سلبني معتقداتي

نشر في: 14 ديسمبر, 2012: 08:00 م

يُشكل مبدأ عدم التناقض الجذر الأساس في جميع المعارف البشرية. والسبب أننا نتمكن من رد جميع المبادئ "المعرفية" الأخرى إلى معارف سابقة عنها، أو نشكك بصدقها، ولا نستطيع أن نفعل ذلك معه. ولهذا صار واضحاً أنه الجذر الأساس في جميع حقائقنا، وهي ثابتة ما بقي ثابتاً، فإذا ألغي لن تثبت بعد ذلك أي حقيقة؛ لأن نقيضها يبقى ممكناً. كما يمكن عندها لأي أحد أن يُثبت أي شيء. يمكن أن تُتَّهم أنت بجريمة قتل مثلا، وتثبت عليك حتى لو كنت في بلد آخر لحظة ارتكابها، إذ وجودك في بلدين بنفس الوقت لن يعود مستحيلاً ما دام التناقض ممكناً.
النكتة المهمة في هذا المبدأ هي أنه لا يتم اكتسابه، لأنه أولي تماماً، فأي حقيقة لا يمكن بناؤها، مهما كانت بسيطة دون أن يكون هذا المبدأ لبنتها الأساسية، ما يعني أننا في طريق تحصيله نحتاج إليه. أي أننا نرثه ولا نتعلمه. وهذا ما أريد مناقشته اليوم. أقصد عملية انتقال بعض مبادئ المعرفة، عن طريق الجينات الوراثية أو أي طريق آخر لا يكون للتعلم فيه دور. فإذا قبلنا باحتمال انتقال مبدأ عدم التناقض وراثياً، فيجب أن نقبل باحتمال انتقال مبادئ أخرى أيضاً، وعندها نشك في أن يكون للوراثة دور كبير في تشكيل معارفنا، ما يعني أنها مفروضة علينا، حالها حال لون بشرتنا وطول قامتنا وبقية صفاتنا الجسدية.
هناك آليات ومسلمات وعواطف، تتحكم بالمعرفة، وهذه الآليات إذا كانت تأتينا عن طريق الوراثة فهذا يعني بأننا مجرد ببغاوات. نحن نميز دائماً بين شخصين، أحدهما لا يقبل بالقضايا إلا بعد مناقشتها وفحص مدى قابليتها على الاقناع، وبين آخر يقبل بالقضايا بشكل مباشر. هناك من يسألك عندما تنقل له خبرا: كيف عرفت؟ وهل تأكدت؟ أو أن يقول لك ببساطة: كلامك ليس مقنعاً. وهناك، من جهة أخرى، من يصدق بما تخبره به بسهولة، دون أن يبدو عليه أدنى مستوى من مستويات الشك. والفرق بين النموذجين يكمن في الآليات التي تتحكم بتلقي كل منهما معارفه.
إذن فهل نرث الآليات التي تتحكم بإنتاجنا للمعارف أو بتلقينا لها؟ الجواب على هذا السؤال يحتاج لدراسات وأبحاث طويلة وشاقة، وهي بالتأكيد أبحاث جارية في أكاديميات العالم ومختبراته. لكن تبقى عملية انتقال أهم مبدأ نستخدمه في ادراكنا للأشياء عن طريق الوراثة، عملية مثيرة للقلق، وهي تجعلنا وجهاً لوجه أمام الشك بمدى مسؤوليتنا عن الأشياء التي نؤمن بها. الأسئلة التي تشككني أنا على الأقل بمدى مسؤوليتي عن معارفي، فقد وجدت نفسي، ومنذ الطفولة اسأل عن العلة التي تجعل الأشياء على الشكل الذي هي عليه، وليس على شكل آخر. منذ طفولتي وأنا شكاك، فهل لوثني جدٌ ما، بهذه اللوثة، وحرمني من الاستقرار العقائدي مدى الحياة؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. حسين

    طالما استمتعت بقراءة مقالاتك.. تالق يا اخي تألق.. واترك لغيرك اللهاث وراء إرضاء أسيادهم بمقالات بائسة ومملة. شكرًا لك على كل فكرة تقدح في ذهنك تشاطرنا المعرفة فيها.

  2. ali

    منذ قرائتي لكتابك أوثان القدسيين احسست اني امام فيوباخ جديد/ارجو ان تتحلى دائما بشجاعتك هذه وان تواصل دائما طريق النقد والشك البناء

  3. عمران عباس

    عزيزي سعدون كلما قرات لك مقالا انبهرت بذكائك (ولااعتياديتك)في الامساك بالافكار--اسمحلي بالتطفل لاقول ان الوراثة لاتمنحنا المعارف والا اصبحت افكارنا وسلوكياتنا جبرية ولكن هل يمكن القول ان الوراثة تمنحنا نوع من اليات الحصول على المعارف او لنقل اليات تاويل ت

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram