النجفي في أصوله، البغدادي في أريحيته
الباحث عبد الحميد الرشودي: الأستاذ محمد جواد الغبان النجفي في أصوله، البغدادي في أريحيته وشهرته كانت صلتي به منذ سنوات طويلة، إذ كنت احد مرتادي مجلسه العامر في بيته الكريم من ضمن جمهرة من الأدباء الأفاضل والوجوه المحترمة . فكان ديدنه أن يغمرنا بفيض كرمه وحلاوة حديثه وعشقه للأدب وأهله. وبهذا كوّن مكتبة كبيرة ضمت مكانا واسعا من داره، تضم أمهات كتب الأدب والتاريخ قديما وحديثا إضافة الى ولوجه عالم البحث والتحقيق. فكتب عن الشاعر المتنبي الذي كان رحمه الله معجبا به لا يقل المجابه عن الشاعر محمد مهدي الجواهري الذي كتب عنه كتابا قيما ضمنه ذكرياته معه.
وكان الغبان كريما في كل شيء ولم يبخل على أصدقائه بما صدر له من مؤلفات فقد كان يوزعها ويوشحها باهداءات جميلة. رحم الله الأستاذ الغبان وادخله فسيح جناته.
كان أديباً نادراً
الشاعر الفريد سمعان:
كان مدرساً في المدرسة الجعفرية كما كان صاحب مجلة الفكر الجديد حيث كان يرفد المجلة بالأصوات والأقلام الشابة، كان رقيقاً وأديبا نادرا أن يكون مثله في ذلك الوقت، كان له مجلس كبير في بيته يرفده الأدباء والكتاب ولديه مكتبة كبيرة وأنيقة ونظيفة زحفت الى كل غرف المنزل وأوصى أولاده عليها بأنها جزء منكم، استفاد منه حتى الطلاب في الجامعات ، كانت علاقتي معه قد بدأت في 1959 حيث كان مؤسس الاتحاد وكان ملازما للجواهري وانا كنت ملاما للجواهري كذلك ونشر لي في مجلته الكثير من القصائد في الفكر الجديد وكان يبدي إعجابه وتعلمت منه الكثير وهو فعلا أستاذ كبير في الشعر العمودي وقدم للأدباء والاتحاد ، وله التقدير كله حيث شارك في الكثير من الملتقيات والمسابقات، كان تقديما ونبذ الأشياء السخيفة التي تتبناها الرجعية ، قدم لي قصيدة طويلة عن المتنبي ، ومن إحدى السفرات الى اسبانيا في طريق العودة وحين كنا في الطائرة وكاد قلبه أن يتوقف لولا العناية التي قدمناها له وفرح بنجاته، وشكر العناية التي قدمتها له، يعتبر الأدباء أولاده وربما جده وقدم العديد من النشاطات العلمية والدراسية ويستحق كل الاحترام والإشادة ، إنا لله وانا اليه لراجعون.
مصاحباً للجواهري وللحركة الشعرية
الناقد باسم عبد الحميد حمودي:
يعد الأستاذ محمد جواد الغبان احد المبرزين من الشعراء الذين واكبوا الحركة الثقافية منذ أربعينيات القرن الماضي وكان رحمه الله مصاحبا للجواهري وللحركة الشعرية التي ازدهرت آنذاك، للغبان دوره المهم في الحقول التربوية والصحفية والثقافية والشعرية، إذ عمل مدير المدارس الجعفرية في بغداد في فترة الخمسينيات.
كان واحدا من الذين دخلوا معترك الصحافة وكان من الصحفيين الذين اسسوا نقابة الصحفيين عام 1959 برئاسة الجواهري.
والغبان كان قد اصدر مجلة الفكر الثقافية الشعرية، التي اهتمت بها الاوساط الثقافية منذ العام 1960، وقد ساهم في تحريرها عدد كبير من الباحثين والكتاب ومنهم الدكتور علي الوردي والدكتور الطاهر والدكتور محمد الاعرجي والشاعر علي جليل الوردي ورشدي العامل وأنا.
كان لهذه المجلة تأثير في الصحافة الثقافية اليسارية.. انه علم من أعلام الشعر والدراسات والصحافة وله بعد ذلك مجلسه الشعري المرموق، إضافة إلى عضويته الفاعلة في الروابط الثقافية في مصر وله جمهوره الواسع هناك ويعد فقدانه خسارة للوسط الثقافي.
انه الكلمة الحقيقية
الناقد علوان السلمان:
محمد جواد الغبان إبداع عراقي انه الكلمة الحقيقية التي لم تساوم ولم تمسح أكتاف الطغاة على مدى زمنه، الكلمة مبدأ، هو صاحب المنجز الذي لا يعد ولا ينتهي، ويكفيه فخرا الملحمة الموحدة عن المتنبي، فضلا عن كونه صاحب مجلس ثقافي يجمع عددا كبيرا من النقد والشعر والمقالة ، منه عناد غزوان ، علي الوردي ، علي الحيدري ، هو مدرسة عراقية مسخرة للأدب العراق استطاعت أن تعطي الشهادات لكل من دخلها، كان متحديا بمجلسه في شارع فلسطين وكان صوتا يخترق الآفاق بالرغم من كل المتاعب والمتابعات التي تكشف هويته الخاصة كونه يحمل فكرا تقدميا خاصا، سيبقى بنا ولفظة تراقص شفاهنا، رحل عنا جسدا ولكنه ظل معنا قصيدة تدغدغ القلوب، كان على فراقه.
معه لي علاقة أولا لكوني مدرسا في المدرسة الشاملة وأولاده كانوا عندي طلاباً، وكانت لقاءاتي معه مستمرة وكان هناك في مجلس الأدباء حسب الشيخ جعفر والغبان وعناد غزوان إضافة الى هناك حامد المالكي، إذن علاقتي معه هي علاقة طالب ومدرس وكنت احضر قبل الوقت، له الرحمة ولنا الصبر .
الأخير في سلسلة الشعر الكلاسيكي
الباحث رفعة عبد الرزاق محمد : يعد الأستاذ محمد جواد الغبان الأخير في سلسلة الشعر الكلاسيكي العراقي وبفقده خسرت الثقافة والأدب ركنا من أركانها بعد رحيل اغلب الأسماء التي كانت مثلا لهذه السلسلة.
الأستاذ الغبان الذي ورث الشعر عن خاله الشيخ محمد علي اليعقوبي الخطيب المفوه والأديب الباحث، كان أديبا مرموقا وبيته مثابة من مثابات الأدب حيث كان مجلسه الأدبي العامر في طليعة المجالس الأدبية التي تذخر بها بغداد. اما مكتبته الكبيرة فقد كانت ملجأ الباحثين والأدباء على مر السنين ولم يكتف الغبان بملكة الشعر فقط بل اضطلع بمهام البحث والتحقيق في العديد من القضايا الأدبية وكان كتابه عن المتنبي وكتابه عن الجواهري وكتابه عن المعارك الأدبية حول المرأة من المراجع المهمة ولا يستغنى عنها في عالم البحث والتحقيق والملاحظ على شعر الأستاذ الغبان رقة أغراضه فلم تكن الشيخوخة عائقا أمام تلك الرقة فقد كانت قصائد الغزل الرقيق والاخوانيات من الأغراض الرئيسة في شعره.
كان رحمه الله يمتلك حسا رقيقا نابعا من حبه للحياة وقد جسد هذا الحب إبداعا وتألقا.
اسم راسخ في الشعرية العراقية
الناقد فاضل ثامر :
كان الفقيد الراحل واحدا من الأسماء الراسخة التي أسهمت في تأسيس الشعرية العراقية النيوكلاسيكية تجاور تجريه الشاعر الكبير الجواهري حيث بدا نشاطه من خلال المؤسسات الثقافية النجفية وأيضا ساهم في الصحافة النجية ومنظما لها وبعد الفترة التي انتقل فيها الى بغداد اصبح من الأسماء المعروفة في الوسط الثقافي خاصة بعد ثورة الرابعة عشر من تموز استطاع التعاون مع الجواهري لتأسيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين، بمباركة من الزعيم عيد الكريم قاسم وكان له الحضور الواضح واصدر مجموعة من الدواوين الشعرية والمؤلفات الأدبية والتي أرخ فيها النقد، كما التقيت به على سبيل المثال في الكويت في مؤسسة البابطين ومنح إحدى الجوائز الخاصة لأنه كان من الشعراء أن يحصدوا تلك الجائزة ، والحقيقة مخلص لجهده الثقافي إلا انه واصل الحضور الى الملتقيات الثقافية فهو حقاً رمز للأديب الذي تواصل رغم كبر سنه مع أحبائه وزملائه. إنا لله وإنا اليه لراجعون.
الغني بأدبه وخلقه
الشاعر ياسين طه حافظ :
للمدن من الناس معالم. ولها في الأركان البعيدة مجالس للخاصة من الأصدقاء، ولناس ارتضوا من الكتب والعلوم أصحابا وأصدقاء. اتخذوا منهم صحبة كريمة هادئة في زمان البيع والتجارة.
من تلك الأمكنة المضاءة بهدوء، البعيدة عن الصخب والسطوع، زوايا علم وشرف في المدن المقدسة وفي المحلات التي احتفظت من العالم بامتياز الوجاهية العلمية والأخلاقية وخوف الله.
واحدا من أولئك الذين يقرأون ويكتبون على ضوء خافت، إنسان ممتلئ خيرا ورحمة، محني على الكتاب نهاره وجل ليله، اسمه محمد جواد الغبان.
عرفت الغبان، رحمه الله، وأنا في بدء دراستي في دار المعلمين العالية حين نشرت لي مجلته (الفكر) قصيدة قدمني فيها على سواي من كبار من دون معرفة سابقة ولا لقاء.
الفكر (الفقيرة إلى المال) اختفت وظل الغبان الغني بأدبه وخلقه في مجلس عامر وله ذكر طيب يستحقه.
لك الرحمة أيها الجليل الذي غابت روحه بين الكتب وظلت ذكراه بين الناس.
سيرته
ولد عام 1930 في النجف - العراق.
نشأ في بيت علم وأدب، وتخرج في كلية منتدى النشر في النجف، وأتم دراسته العليا في القاهرة.
مارس تدريس اللغة العربية وآدابها على المستوى الثانوي والجامعي.
أصدر في أواخر الخمسينيات في بغداد مجلة (الفكر) الأدبية الثقافية الشهرية.
عضو في أول هيئة تأسيسية لاتحاد الأدباء العراقيين في بغداد، وفي أول نقابة للصحفيين بالعراق، ورابطة الأدب الحديث بالقاهرة، وجماعة أبولو الشعرية.
تقام في منزله ندوة أدبية أسبوعية يتردد عليها أعلام الأدباء والشعراء.
شارك في العديد من المهرجانات والمؤتمرات الأدبية.
دواوينه الشعرية: الأمل 1953 - وهج الشوق 1955 - المتنبي بعد ألف عام 1984 - أنتِ أحلى 1984 - أنتِ أغلى 1998.
مؤلفاته: جعفر بن أبي طالب.
حصل على جائزة مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري عن أفضل ديوان عام 1990، وجائزة الشعر من رابطة الأدب الحديث 1990 أيضاً.
ممن كتبوا عنه: عبد الوهاب العدواني، وزينب محمود، وزكي قنصل، و روكس بن زائد العزيزي.