TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > أيّ نظام سياسي نريد وما هي فرص التيار الديمقراطي؟

أيّ نظام سياسي نريد وما هي فرص التيار الديمقراطي؟

نشر في: 15 ديسمبر, 2012: 08:00 م

بعد أن باشرت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مهامها بتسجيل الكيانات المرشحة لخوض انتخابات مجالس المحافظات ، بدأت الأسئلة تدور في الأوساط السياسية عن حظوظ التيارات الديمقراطية بمختلف مشاربها في الفوز بمقاعد تؤهلها للعودة إلى ساحة العمل السياسي  والمساهمة في رسم معالم العملية السياسية التي عانت الكثير من الأزمات وما زالت. فهل الظروف مهيأة لهذا التيار؟ وكيف يمكن أن ينجح في اختراق سياج الطائفية السياسية وهيمنة أحزاب مكّنتها السلطة من امتلاك المال والنفوذ والسيطرة ؟ وماهي الفرص المتاحة أمامه للنجاح ولو نسبياً ؟ وأي رؤية يمتلكها هذا التيار بعد كل هذا الانحسار ؟
وللإجابة على هذه التساؤلات التي تشغل الكثير لابد من الإشارة إلى التركيبة الخاصة للمجتمع العراقي المبنية على التعددية الدينية والمذهبية والقومية ، التي بدلاً من أن تكون عامل قوة تحولت إلى ضعف وعامل صراع اتضحت معالمه بشكل واضح بعد 2003 وإسقاط ذلك على القوى السياسية التي أشاعت المحاصصات بأسوأ أشكالها وشوهت معالم البناء الديمقراطي الصحيح المرتكز على العدالة والمساواة وإشاعة قيم المواطنة الحقة . ولا نجد بعد عشر سنوات محذوراً من الاعتراف بصيغ المرحلة التي أوصلتنا إلى هذه النتائج ، وبالذات صيغ القوى السياسية التي استثمرت البعد الطائفي في الانتخابات السابقة وعملت بشكل مباشر وغير مباشر  لقطع الطريق على  القوى العلمانية ليبرالية ويسارية من مشاركتها مشوار التغيير، دون أن نغفل الأخطاء التي ارتكبتها هذه القوى وعدم وضوح برنامجها  أمام الأغلبية الساحقة من المواطنين وفشلها في تمييز نفسها عن  سواها من الأحزاب الإسلامية، وهو ما أدركته مؤخراً .قد يتوهم البعض بأن تذمر الملايين من سوء الخدمات واستشراء الفساد وعدم استقرار الجانب الأمني ومحاولة البعض من الأطراف المستمرة بتأجيج وتصعيد حالة الصراع ، قد يسهم بتغيير خارطة المشهد السياسي لصالح قوى التغيير والإصلاح المنادية بالمشروع الوطني ، غير أن هذا-   وبرغم صحة منطلقاته- غير كاف بحكم التقاليد والقيم الطائفية التي لا يمكن الاستهانة بتأثيراتها الكبيرة على توجهات الناخب ، فهي ما زالت تضغط  عليه لأسباب كثيرة و  معرو فة ،كما أن جميع الكتل صارت لإبعاد الصيغة الطائفية عنها تسعى إلى ضم شخصيات متنوعة إلى صفوفها وتضع أنواع الشعارات الوطنية الجميلة وتجتهد لتبرير إخفاقها لحد الآن في بناء دولة المؤسسات المدنية ، ما يضاعف من صعوبة اختراق سياجها .لانريد هنا أن نبدو متشائمين ولكن هذا هو واقعنا الذي يجب أن تضعه التيارات الليبرالية والعلمانية أمامها وأن تأخذه بعين الاعتبار وهي تخوض منافسة غير متكافئة بكل المعايير مع الأطراف الأخرى . ونعتقد أن الرحلة بقدر ما فيها من صعوبات تحمل  في طياتها إيجابيات يمكن الاستدلال عليها من جانبين، الأول الأزمات السياسية المتكررة التي كان من نتيجتها ضياع فرص بناء ديمقراطي سليم للعراق تحمّل وزرها العراقيون بشتى تلاوينهم ،والثاني تنامي تطلعات المواطنين عرباً وكرداً وتركماناً  وغيرهم إلى مكون يؤمن بأهمية  المشروع الوطني  ويسعى جدياً إلى تطبيقه .ومن هنا ينبغي على التيار الديمقراطي  أن يعمل  لتحقيق أوسع استقطاب لبرامجه في التغيير الديمقراطي وحماية العملية السياسية مما يتهددها من مخاطر . وانطلاقاً من هذا فإن عليه أن يركز جهوده من خلال فعاليات شعبية  على  القوى والمؤسسات  والمنظمات البعيدة عن الاصطفافات الطائفية  والمذهبية  ، لإحداث تغيير في موازين العملية الانتخابية لصالحه . لقد اختبر شعبنا بمختلف مكوناته طيلة السنوات الماضية سلوكيات بعض أطراف العملية السياسية  وأدرك عدم جديتها   في ترسيخ أسس بناء الدولة الحقيقية، والنماذج على ذلك كثيرة بدءاً من الأوضاع السياسية وما صاحبها من هزات سببها  سيادة التشكيك بالآخر ورفض إجراء إصلاح حقيقي في بنيتها وانتهاءً بغياب التخطيط الاقتصادي مروراً بالأوضاع الاجتماعية المزرية ،ما يؤكد الحاجة إلى قوى تغيير وطني تأخذ مكانتها الطبيعية لتسهم مع جميع الأطراف الأخرى، من إسلامية متنورة إلى ليبرالية لترسيخ قيم الديمقراطية والمواطنة في المجتمع على وفق برنامج وطني يعيد للمواطن الثقة بمستقبله .
لا نريد هنا أن نكون متفائلين جداً ونعيش أحلاما وردية بعيدة عن الواقع ، غير أننا يجب ألا نكون متشائمين أيضا ،وينبغي أن نتوقع مسبقاً أن انتخابات مجالس المحافظات اختبارلمدى نجاح فعاليات التيار الديمقراطي  السابقة  لاستعادة بعض دوره والاستفادة من دروسها مستقبلاً . قد لا يحصد التيار الديمقراطي في هذه الانتخابات المقاعد التي تتيح له فرصة تطبيق برنامجه ، لكنها ممارسة لابد منها للارتفاع بمستوى أدائه في الانتخابات المقبلة ..إرادة التغيير في الخارطة الانتخابية ما زالت ضعيفة وتحكمها هيمنة الأطراف الرئيسة بما تمتلكه من مال ونفوذ ،لكن مؤشرات أخرى تفصح عن تململ شعبي  قد يتيح للتيار الديمقراطي تحقيق بعض النجاح وهو في هذه المرحلة نجاح مهم .
ما زال أمام هذا التيار الوقت لمراجعة برامجه وتحشيد القواعد الشعبية  للوقوف معه إذا ما أحسن استقطاب القوى المؤثرة فيها ،وفي كل الأحوال فإن انتخابات مجالس المحافظات إذا ما حصلت في موعدها دون تأجيل ستشهد تغييراً في خارطة المشهد السياسي  الذي نأمل أن يكون للتيارالوطني الديمقراطي موقع فيها .
ومن المفارقة التي تثير الأسى وتجسد مدى ماوصل إليه المواطن من يأس ما أشارإليه عدد من سكان مايسمى بالعشوائيات في بغداد عندما قالوا في معرض إجابتهم عن سؤال لأحدى الفضائيات عن الانتخابات القادمة "إن السياسيين سيلجأون للخداع وإبر التخدير والوعود الكاذبة" وربما سيضطر مثل هؤلاء إلى منح بصمتهم لغير مستحقيها معللين  ومقنعين أنفسهم  بأوهام وآمال برع في نسجها أصحاب الجاه والسلطات  ، وهي تدلل  على  مدى ما وصلت إليه أوضاع الانتخابات والقوى المتحكمة بها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram