هناك تشابه ما بين فضائية البغدادية وهادي المهدي. لنحاول استذكار بضعة اشياء اليوم. لقد كان زملاء لنا يقولون ان هادي المهدي لديه لسان "اطول من اللازم" واحيانا يجري تفسير مقتله (او تبريره في الواقع) داخل هذا السياق. ولكن حين رحل بطريقة مؤلمة رأينا كيف نجحت الحكومة نسبيا في استكمال عملية اشاعة الخوف التي بدأتها مع قمع تظاهرات حزيران 2010 في البصرة والناصرية، ثم شباط 2011 في بغداد انطلاقا نحو كل المدن. انتبهوا لهذه النقطة: رجاء انتم الذين تعتقدون ان هادي المهدي "لم يكن متزنا ونقصته الكياسة": في لحظة رحيل هادي حل علينا هلع مفاجئ لايام طويلة، والهلع الذي حل دخل كل الارواح، سواء كانت ارواح من يمتلكون لسانا معتدلا، او لسانا متطرفا "تنقصه الكياسة".
اليوم ايضا، ورغم اعترافهم بأن البغدادية نافذة وحيدة تقريبا تتيح هذا القدر من الجرأة وسط حذر التلفزيونات الاخرى، فإن هناك اصدقاء يقولون ان طريقة البغدادية في تناول الحدث لا تعجبهم وفيها نواقص فنية واحترافية عديدة. وانا اقول لهم ان تحريك العساكر ضد محطة تلفزيون سيدخل القلق في قلب كل مؤسسة صحفية، سواء كانت مؤسسة تعجبكم او لا تعجبكم، وسواء كانت "مهنية" ام "غير مهنية" وسواء كانت تعاني من نواقص فنية واحترافية ام لا تعاني!
هناك نقطة يجب ان نتفق عليها ولا ننساها حين نفكر. لاننا حين نتسرع في التفكير تروح علينا اشياء كثيرة. انا وغيري وهادي وغيره والبغدادية وغيرها، لدينا اخطاء كثيرة. لكن السلطان الحالي هو آخر من يحق له تصحيح اخطائنا. تذكروا هذا جيدا كي لا تنهمكوا في احصاء نقاط ضعف البغدادية اثناء تطويق مكاتبها بهمرات جيشنا العراقي.
ان على السلطان اولا وقبل كل شيء، ان يفسر لنا فضائحه المتواصلة منذ 7 اعوام وان يعترف لنا بأنه مقصر مع مليوني جائع يعيشون في 3 مدن كبرى حسب تقرير الحكومة ويونامي، وان يوضح لنا لماذا ظلت البصرة المدينة النفطية الوحيدة في العالم التي تغسل وجهها الاسمر بماء البحر كل صباح وتفتقد لمحطات تنقية.. ان عليه ان يفعل كل هذه الاشياء وسواها، قبل ان يأتي ليحاول تأديب شبابنا ومنعهم من دخول المواقع الاباحية كما يزعم قانونه الاخير، وقبل ان تأتي "هيئاته العظمى" لتعلم محطاتنا التلفزيونية كيف ينبغي ان تعمل وتقوم "بتقويم اداء" الصحفيين.
السلطان يريد استغلال نقطة ضعف هنا واخرى هناك لكي يستكمل اشاعة جو الهلع، والموضوع لا يتعلق بهادي او البغدادية، فالامر يتطلب الانتباه للمعنى الكبير وعدم الانشغال بتعداد نواقص هذه المؤسسة او ذاك الصحفي، في وقت تتحرك عساكر السلطان وامواله لبسط حكم الفرد علينا.
السلطان يهدد لجنة برلمانية بتحريك مذكرات اعتقال، ويحاول تذكيرنا بأن الصدر كان يتخذ قبل سنوات مواقف متشددة عارضناها جميعا، وان علاوي وبارزاني لديهما اخطاء كثيرة..الخ. وانصار السلطان يريدوننا ان ننشغل بماضي الصدر ومذكرة اعتقال سليم عبد الله الذي ادار بجرأة لجنة حقوق الانسان، وبملاحظات اخرى على اداء منافسيه الأساسيين، كي ننسى الكوارث الكبرى النائمة او المستيقظة في اخطر دائرة لصناعة القرار العراقي وهي بيت الامارة او بيت السلطان.
ليت شعري.. الا يدرك السلطان ان هذه لعبة قديمة لم تعد تنجح؟ الصدر الزعيم الشاب ادركها كما ادركها اكثر من زعيم سياسي، وادركتها معظم مراكز القوى الدينية والاجتماعية والمالية. يمكن للصدر ان يختلف مع الاكراد كثيرا حول كركوك ونينوى، كما يمكن لعلاوي والعراقية ان يختلفوا مع الاكراد او مع الصدر نفسه. لكن كل هذه الاطراف تدرك الان ان المعركة ليست على طوزخورماتو ولا البغدادية ولا مذكرة اعتقال سليم عبدالله. الجميع يدرك كما قال الصدر في اهم 3 بيانات صدرت اخيرا، ان المالكي يأخذ العراق الى اخطر مستويات التأزيم لانه يريدنا ان ننسى اخطر اخطائه خلال السنة الاخيرة. انه يحمل اخطاءه مثل نقاط حبر عنيدة وقعت على قميص ابيض، ويمضي نحو انتخابات مجهولة ويريدنا ان ننشغل بأشياء ثانوية لكي لا نرى بقع التلوث على القميص الابيض وهو من ماركة فخمة يحبها السلاطين.
الجميع يقول ان علينا ان نحذر ولا نتهور ولا نكون "شجعانا اكثر من اللازم". وفي الحقيقة فإن النشطاء بشر يشعرون بالذعر ولا يمتلكون شجاعة استثنائية لمواجهة احتمالات سوداء. لكننا نسأل انفسنا: ما معنى ان نصمت، بينما هناك من يقود البلاد الى سيناريو اسود يسبب الذعر لكل العقلاء. اننا نخشى السلطان بالتأكيد ولسنا شجعانا من زمن الملاحم، لكننا نخشى اكثر ونشعر بهلع مخيف من السيناريو الاسود الذي يمكن ان يطبق علينا لو انتصر السلطان.. اي سيناريو تكميم الافواه والعيون و"احراق الرايخ" الذي تحدثنا عنه في الايام الاخيرة. اننا بشر نخشى ذئبا يمكن ان يلتهمنا. وهناك من ينصح بالصمت عن الذئب. لكننا نخشى ايضا ان نسكت عنه فيأخذ حريته ويتحول الى ديناصور يسحقنا بأقدامه الكبيرة حتى خلال جولة عادية يقوم بها في هذه الغابة. انني ابوس اقدام الشجعان على فيسبوك، ممن قاموا بتحدي الخوف منتصف ليل الجمعة.انهم صنف من الناس يخافون الذئب لكنهم يخافون اكثر من تحوله الى ديناصور لو صمت الناس.
جميع التعليقات 2
كاظم السماوي
العزيز سرمد تحياتي لك ولشجاعتك....ماتقوله هو الحقيقة .لقد كان صدام في بداية انقلابهم كلبا ثم تحول الى ذئبا ومن ثم الى (طنطل)نتيجة الصمت ونتيجة ان لعب الجميع ودون استثناء دور الحمل..ان مايوجد في مكاتب المالكي من خبراء البعث هو مايمده بما يحتاج ليتبع نفس طر
عمران
استاذ سرمد --يجب ان تصبح السنتنا بعد اكثر طولا في وجه السلطان